لا يزال الرأي العام اللبناني ينتظر فك شيفرة إنفجار 4 آب، بظل التخبط السياسي والدستوري الذي تشهده التحقيقات التي يتولاها المحقق العدلي القاضي فادي صوان. آخر فصول هذا التخبط تمثّل في تعليق التحقيقات لمدة 10 أيام كمهلة قانونية، ليقدم خلالها صوّان جوابه على طلب كفّ اليد عن الملفّ المقدّم من الوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل للإرتياب المشروع وتعيين محقق آخر.
وفيما ساهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بشكل أساسي في وقف مسار المحقق العدلي بعد رفضه أكتر من مرة استقباله كمدعى على الأوّلأ، لاعتباره هذا الأمر خرقًا للدستور، حصلت “النشرة” على مستند رسمي يعزّز من فرضية افتعال الإنفجار المشؤوم، كذلك توافر معلومات تكشف المسار الإجرائي الكامل بعد علم حكومة دياب بوجود مواد نيترات الأمّونيوم في العنبر رقم 12 في حزيران من العام الحالي…
في 3 حزيران الماضي، تواجد مستشار رئيس الحكومة خضر طالب في منزل أحد مستشاري رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا بحضور الأخير، لتناول العشاء وبحث إمكانية التعاون بين رئاسة الحكومة ومديرية أمن الدولة، وعند سؤال طالب عن ملفات فساد عالقة يمكن أن يعمل دياب على تحريكها، ردّ مستشار صليبا: “عثرنا منذ فترة قصيرة على كمية من مادة الـTNT داخل مرفأ بيروت”، بحسب معلومات “النشرة”، ما دفع طالب الى الإتصال في الليلة ذاتها برئيس الحكومة لإعلامه بالأمر، ليبادر دياب بعد إقفال المكالمة الى الإتّصال برئيس جهاز أمنه والطلب منه الكشف الأمني فورًا على المرفأ.
بعد معاينة الفريق الأمني للمكان الذي تتواجد فيه المواد المشبوهة في الليلة نفسها أيضًا، اتّصل برئيس الحكومة مباشرةً لإخباره بالنتيجة التي نقلوها عن مستندات خاصة بضبّاط أمنيين داخل المرفأ، وتفيد بوجود 2750 طن، تشير المعلومات. وتوضح أنه تم تضليل جهاز أمن السراي الحكومي عند معاينتهم المكان حيث قيل لهم أنّ هذه المواد هي كميات من الأسمدة مضى عليها 6 سنوات في العنبر، وهذا ما نقلوه الى دياب، الذي لم يقتنع، خاصة بعدما حصل على المعلومة عن طريق أمن الدولة.
بينما كان يتحضّر للتوجّه الى المرفأ في اليوم التالي من إبلاغه أيّ بتاريخ 4 حزيران، فضّل دياب التريّث وعدم النزول قبل الحصول على الملفّ مباشرةّ كما هو لدى مديرية أمن الدولة للتحرّك بناءً عليها، وبعد طلب الملفّ من الأخيرة، وصل في 21 تموز الماضي الى رئاسة الجمهورية أي بعد حولى اشهر ونصف، وفي 22 من الشهر نفسه وصل الى رئاسة الحكومة، عندها تم تحويل الملف الى المجلس الأعلى للدفاع ليستلمه الأمين العام للمجلس اللواء محمود الأسمر في اليوم عينه، بحسب معلومات “النشرة”.
من تاريخ 22 الى 24 تموز درس اللواء الأسمر ملفّ أمن الدولة وأرسله مع توصيات التصرّف به الى دياب مجدّدًا، فأحاله الأخير الى وزيرة العدل ماري كلود نجم لمواكبة الخطوات القانونية والقضائية اللازمة، كذلك الى وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجّار كون “الأشغال” هي المسؤولة عن مرافق الدولة تشغيليًا، تقول المعلومات. وتشدد على أن إقفال البلاد جراء جائحة كورونا وبعض العطل الرسمية آنذاك، أخّرت كتاب دياب من الوصول الى الوزارات حتى 3 آب الماضي، أي قبل يوم من وقوع الإنفجار.
مراسلة دياب لم تصل الى وزيرة العدل بسبب تواجدها خارج البلاد لدواعٍ صحيّة، بحسب المعلومات، لكن وزير الاشغال تلقّف المراسلة، درسها، وأحالها الى الجهات المختصّة داخل الوزارة لمتابعتها، وهذا ما يثبته المستند المرفق مع النصّ الذي حصلت عليه “النشرة” ويوثّق توقيع اللواء الأسمر عليه في 24 تموز الماضي، وختم المديرية الإدارية المشتركة في وزارة الأشغال العامة والنقل في 4 آب تاريخ الإنفجار، ما يطرح علامات إستفهام خطيرة، حول العلاقة بين تفعيل قضية نيترات الأمونيوم من قبل دياب بعد 6 سنوات من وجودها داخل المرفأ، وتزويد الفريق الأمني لرئيس الحكومة بمعلومات مغلوطة حول طبيعة المواد المخزّنة، وإنفجارها بعد ساعات من وصولها الى وزارة الأشغال. فما هو لغز الإنفجار الذي قتل حوالي 200 شخص، وجرح أكثر من 6 آلاف، وشرّد 300 ألف آخرين؟ وهل بإمكان أحدّ فكّ هذه الشيفرة بعد كل ما تقدّم؟!.