توقف سماحة السيد الدكتور جعفر فضل الله في خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، عند الأوضاع الداخلية اللبنانية التي لا تزال تتفاقم على الصعد الاقتصادية والمالية والمعيشية والتي لا تزال تنحدر في هاوية الانهيار الذي يبدو أن لا قعر له، فيما لا تزال معاناة المواطنين على أشدّها من دون أن تتخذ الطبقة السياسية أية إجراءات فعلية للجم هذا التدهور.
وأشاد سماحته بالإنجاز الكبير الذي تمثل في استعادة لبنان ثروته النفطية والغازية، ولكن هذه الثروة إذا لم تصان مؤسساتياً وقانونياً يمكن أن يكون مصيرها شأن مصير عشرات المليارات من الدولارات التي بددتها الطبقة السياسية والمصرفية في الفساد والمحاصصات والهدر، في الوقت الذي تشكل فيه مدخلاً وحيداً للإنقاذ، إذا تم التفريط بها كما التفريط بمن سبقها يسقط الوطن، والمخيف أن ثمة الكثير من هذه الطبقة من يمني النفس بالتهامها لحساباته، ما دامت المحاسبة غائبة والقانون معطلاً..
وإذ أكد سماحته على أن هذه الثروة المستعادة على أهمية دورها في عملية الإنقاذ، لكن فعاليتها وثمارها مرهون بمدى توظيفها في سياق رؤية اقتصادية متكاملة تطال كافة القطاعات الإنتاجية، وبمدى صدقية القائمين عليها وأخلاقياتهم، والإرادة السياسة الحازمة التي يتحلون بها، فضلاً عن ضرورة توفر الرقابة القانونية الصارمة…
وركّز سماحته على أهمية دور الشعب في هذه المرحلة، فإذا كان لحضوره الدائم في احتضان المقاومة الدور الأساس في استعادة الحقوق اللبنانية، فإن مسؤوليته تتضاعف على مستوى تصويب المسار السياسي والاقتصادي الداخلي، وإلا فإن كل ما يتحمله الشعب من كلفة مادية ومعنوية وتضحيات باهظة في مواجهة العدو والحصار القائم، سوف يبقى مهدداً ما لم يدخل هذا الشعب إلى حيز الفعل على الصعيد الداخلي ويمارس الضغوط المناسبة في بناء الوطن على أسس راسخة.
ورأى سماحته أن ما حدث من انتصار جاء نتيجة هذا الصمود الشعبي وهذا التراكم من الإنجازات التي تحققت على صعيد إعداد وسائل القوة وتعزيز قدرات المقاومة، أو في صناعة الوحدة الداخلية على المستوى الرسمي، ليتأكد مجدداً أهمية التكامل بين هذه القدرات في تحقيق الأهداف المنشودة.
وأشار سماحته إلى أن المقاومة مارست دورها بمسؤولية وحكمة عندما وقفت خلف الدولة في مطالبتها بالحقوق اللبنانية، وعندما لوحت باستخدام القوة ضمن حسابات دقيقة أخذت بالحسبان الظروف الإقليمية والدولية المؤاتية، الأمر الذي منحها صدقية في أطروحاتها باعتبارها قوة قادرة على ردع العدو عن أي عدوان وإحباط مخططاته وشل تهديداته التي أراد منها تحقيق أطماعه في الثروة اللبنانية.
وقال سماحته أنه في مواجهة بعض الأفرقاء الذين قللوا من أهمية هذا الإنجاز، فإننا نحيلهم إلى ما كان عليه الموقف اللبناني من ضعف حين أعلن راعي المفاوضات أمام اللبنانيين وباستخفاف: “أنتم بلد مفلس وعليكم أن تقبلوا بما يعرض عليكم”، ثم وبعد المسيرات التي شكلت رسالة واضحة للعدو وبالاستعداد للمواجهة كيف تغير موقف هذا الراعي ومعه موقف العدو، ما اضطرهما إلى تعديل في السياسة المتبعة نحو تلبية المطالب اللبنانية، هذا ناهيك عن الإنجاز الذي لا يقل أهمية وهو إرغام القوى الدولية الضاغطة على لبنان بفك الحصار على الشركات الدولية التي تريد الاستثمار في مواقع الثروة النفطية والغازية.
وأضاف سماحته: لا بد وانطلاقاً مما حدث، أن نبني الاستراتيجية الدفاعية للبلد، والتي ترى في المقاومة مكوناً أساسياً من مكوناتها، والتي لا بديل عنها إلى الآن في تحقيق المصالح الوطنية وحماية الحدود وردع العدو…
ولفت سماحته: إلى أن هذا العالم قائم على شريعة الغاب، وما لم تمتلك الدول والشعوب الضعيفة وسائل القوة فإن مستقبلها هو المجاعة والهجرة، فالحق في العيش بكرامة لن نحصل عليه إذا لم تكن لدينا القوة التي تفرضه، وقوة العدو مهما كانت كبيرة يجب ألا ترهب الشعوب، لأن العدو مهما امتلك من عناصر القوة فإنه لا يخلو من عناصر الضعف، والشعوب مهما امتلكت من عناصر الضعف فإنها لا تخلو من عناصر القوة، وهذه هي المعادلة التي كان يرددها السيد فضل الله، والتي كانت حافزاً رئيسياً للمقاومة في تحقيق انتصاراتها وهي: إن علينا أن نحارب القوي في نقاط ضعفه بنقاط قوتنا، بدلاً من أن نحاربه في نقاط قوته بنقاط ضعفنا”…
وختم سماحته بالقول: إن هذا الإنجاز سوف يكون له ارتداداته السياسية والمعنوية على ساحات الصراع في المنطقة وخصوصاً في فلسطين التي نشهد فيها هذه الأيام تنامياً لهبات شعبية ولعمليات المقاومة وصموداً قوياً في أنحاء الوطن المحتل، ما يشير إلى أن ثمة مرحلة جديدة ومختلفة نوعياً في المواجهة مع العدو لمصلحة الحرية والاستقلال وكل أحرار العالم…