عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء أول يوم من أيام محرم، والذي هو بداية السنة الهجرية بما دعانا إليه رسول الله(ص) من القيام في هذا اليوم بأداء صلاة ركعتين وبالدعاء بعدها: “اللهم أنت الإله القديم، وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشيطان، والقوة على هذه النفس الأمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك، يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام… حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، آمنا به، كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب، ربنا لا تزغ قلوبنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”.
فلنحرص على أداء مثل هذه الأعمال لنحظى في السنة القادمة بتوفيق الله وبتسديد منه لنكون أقوى في مواجهة تسويلات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وأن يكون همنا فيها ما يقربنا إلى الله ويقينا من أن تزيغ قلوبنا عن طريقه، وبذلك نكون أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من الأزمة المعيشية التي لا يزال يعاني منها اللبنانيون على كل الصعد وقد بات المظهر الأبرز الذي يدل على قسوتها هو الصفوف الطويلة التي تقف على أبواب الأفران تنتظر الحصول على رغيف الخبز، دون أن تقوم الدولة المعنية بمواطنيها حتى الآن بمسؤوليتها في معالجة جادة للأسباب التي أدت إليها، وذلك بتشديد الرقابة والمحاسبة لكل الذين يستفيدون بغير حق من الطحين المدعوم أو بمكافحة التهريب والاحتكار أو بتنظيم آلية حصول النازحين السوريين على هذه المادة لاحتواء المضاعفات السلبية.
إننا نخشى أن يكون الطريق الأسهل والذي يبدو أن الدولة ستعتمده في معالجة هذه الأزمات هو مد اليد إلى جيوب اللبنانيين من خلال رفع الدعم عن هذه المادة الأساسية أسوة ببقية السلع والمواد التي تم رفع الدعم عنها وتلك التي سيأتي الدور إليها والتي ستؤدي إلى ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى ما يزيد عن الأربعين ألف ليرة، وهي ستزداد كلما ارتفع سعر الدولار الأمريكي أو ارتفع سعر الطحين في الأسواق العالمية، من دون الأخذ في الاعتبار التبعات التي قد تترتب على حياة المواطنين وقدرتهم على تأمين حاجاتهم الضرورية حيث التدني
في الرواتب والجمود على الصعيد الاقتصادي، وعدم توافر فرص العمل والأعباء المتزايدة التي تقع على عاتق اللبنانيين لتأمين الطعام والشراب والكهرباء والدواء والاستشفاء والمحروقات والنقل.
إننا أمام ما يجري، نحذر من التداعيات الخطيرة والكارثية التي تترتب على استمرار هذا الضغط المعيشي والحياتي على حياة اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم والذي يظهر في ارتفاع معدلات الهجرة ونسب السرقة والجريمة والانتحار والطلاق.
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا للقوى السياسية التي تتولى إدارة شؤون البلد إلى التعاون والتكاتف في ما بينها بدلاً من التصويب على بعضها بعض، أو تبادل الاتهامات وتقاذف الكرات، فالكل يتحمل المسؤولية سواء أكان في مواقع الحكومة أو المعارضة…
وهنا لا يسعنا، ونحن في مثل هذه الظروف، إلا أن ننوه بأي مبادرة تخفف من هذا الواقع المعيشي الصعب على اللبنانيين والتي كان آخرها التصريح باستعداد الجمهورية الإسلامية في إيران لمنح لبنان الفيول مجاناً، في مرحلة يحتاج لبنان فيها إلى أي مساعدة وهو ليس بالوضع الذي يملك الخيار في أن يقبل أو أن لا يقبل، وإذا كان هناك من جهات وشخصيات عبرت عن خشيتها من عقوبات على هذا الصعيد، فلتستنفر جهودها وعلاقاتها لتأمين بدائل من دول أخرى قادرة على توفير ما يخفف من وقع المأساة على اللبنانيين.
وفي هذا المجال، ندعو إلى اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بعودة موظفي القطاع العام عن الإضراب المفتوح الذي يعطل أمور الناس، ونحن نرى أن من حق العاملين في القطاع العام أن يحصلوا على ما يسد رمق عيشهم حتى يستطيعوا القيام بعملهم بكل جدارة، لكننا ندعوهم إلى الأخذ في الاعتبار تداعيات الاستمرار بالإضراب المفتوح على مصلحة بلدهم وتلبية الاحتياجات الضرورية للبنانيين…
إن من المؤسف أن يجري كل ذلك فيما يستمر الترهل على الصعيد السياسي، حيث يستمر الجمود على صعيد تأليف الحكومة، وهنا نجدد الدعوة إلى الإسراع بتأليفها لتقوم بمعالجة الأزمات التي يعاني منها المواطنون ولمواكبة العمل التشريعي على صعيد مجلس النواب ولعدم وقوع البلد في الفراغ إن لم يتم انتخاب رئيس جمهورية في الموعد المحدد، والذي مع الأسف هو المتوقع حتى الآن.
ونبقى على صعيد الداخل لنحذر من ارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي والتوتير السياسي الذي حصل على خلفية توقيف المطران موسى الحاج بعد اعتباره تصويباً على موقع ديني أو على موقع طائفة ورموزها، بدلاً مما كنا ندعو إليه من حصره في إطاره القضائي والقانوني ومعالجته ضمن القنوات المعنية بما يؤدي إلى احتواء المسألة، ويحفظ أمن البلد من أي أخطار محتملة، وعدم إعطائها بعداً طائفياً أو دينياً، وإدراجها في الصراعات القائمة،
بعدما أثبتت التجارب أن لا حلول بتصعيد الخطاب الطائفي أو بالتوتير السياسي أو بوضع خطوط حمر هنا أو هناك، لأن تصعيد الخطاب يقابل بمثله والتوتير يؤدي إلى توتير والخطوط الحمراء تقابل بخطوط مماثلة.
إننا دائماً نؤكد على المرجعيات الدينية الرسمية أن تنطلق في خطابها من الموقع الديني الذي تمثله والقيم التي تحملها وأن تكون دائماً صمام أمان في هذا البلد، وتقف في مواجهة كل من يعمل على تخريب التنوع في هذا البلد الذي هو ثروة له ونعمة عليه.
إن اللبنانيين هم أحوج ما يكونون إلى من يعمل على تهدئة مشاعرهم وطمأنة نفوسهم وما يقرب من قلوبهم لمواجهة أعباء هذه المرحلة وتحدياتها.
ونصل إلى مسألة الترسيم الحدودي وفي ظل اقتراب موعد مجيء الموفد الأمريكي الذي يتولى أمر المفاوضات لندعو مجدداً إلى أهمية ثبات اللبنانيين على موقفهم الموحد المتمسك بحقهم الكامل في ثروتهم البرية والبحرية، وأن يُسمعوا المفاوض الأمريكي أو غيره كلاماً حاسماً بأن العدو لن يستخرج الغاز ويستفيد منه، فيما لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية، غير قادر على ذلك وأن لا يُخدعوا بالكلمات المعسولة أو يرضخوا لما يمارس من ضغوط وتهاويل أو لسياسة التمييع التي يتقنها العدو.
وأخيراً، نطل على مناسبتين:
المناسبة الأولى: وهي بداية سنة هجرية جديدة والتي نأمل أن تحمل إلينا تباشير الخير والأمل والأمن والأمان والبركة للمسلمين ولجميع الناس كما حملت لرسول الله(ص) وللمسلمين عندما هاجروا من مكة إلى المدينة…
وذكرى عاشوراء التي تأتي كل سنة لتطلق في النفوس مشاعر العزة والكرامة في مواجهة دعوات الإذلال والخنوع وفي مواجهة الظلم والفساد والانحراف ولتعزز في الحياة منطق الحق والعدل والاستقامة.