اعتبر المفكّر العربي الدكتور عزمي بشارة أن الانتخابات التشريعية الإسرائيلية أظهرت تغيّرًا داخل تركيبة الأحزاب اليمينية وانتقالات داخل اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أن المتغيّر الجديد هو صعود الأحزاب الدينية الصهيونية، وتصهين الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية.
وأوضح بشارة، في لقاء التلفزيون العربي معه في حلقة خاصة من برنامج تقدير موقف، أن التحوّل المستمر نحو اليمين جاء كعاقبة لسياسات الأمننة المتطرفة في إسرائيل، واستمرارًا لما أحدثه احتلال عام 1967 من توحيد دولة إسرائيل وأرض إسرائيل التوراتية، وما جاء مع ذلك من أبعاد دينية. في حين تؤكد نتائج الانتخابات أن اليسار الصهيوني يذوب ويتلاشى من المشهد.
وأشار بشارة إلى أن ارتفاع عدد مقاعد معسكر نتنياهو إلى 64 مقعدًا لا يعني صعود اليمين في إسرائيل، بقدر ما يعني حصول تغيّرات داخل تركيبة هذه القوى المتطرفة. أما الانقسامات داخل معسكر اليمين فسببها شخصية نتنياهو المنفرة والاستحواذية والمتمسكة بالسلطة بأي ثمن، وليس السياسة بشكل عام، مضيفًا أن الأحزاب اليمينية المعارضة لنتنياهو، والتي يترأسها نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان وغدعون ساعر؛ تعارض شخص نتنياهو وليس الفكر اليميني.
وحول التحالف الذي سيشكل الحكومة بقيادة نتنياهو ويمثل طرفاه الليكود والأحزاب الدينية المتطرفة، رأى فيه بشارة “لقاءً واعيًا بذاته بين الصهيونية والدين”. فنحن حسب بشارة أمام “صهيونيةٍ تديّنت ودينٍ تصهينَ”، يمثله بشكل سافر ولا لبس فيه هذا المعسكر المتمثل في نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلال سموتريتش. فبن غفير الذي يطالب نتنياهو بحقيبة الأمن العام معروف بكونه شخصية استيطانية استفزازية ذات ملف جنائي شارك في اقتحام الأقصى مرارًا، ويعادي أي وجود للعرب في إسرائيل ويرفض التنازل عن أي شبر من الأرض لصالح الفلسطينيين، وشارك في التحريض على اغتيال رابين. أما زعيم معسكر الصهيونية الدينية سموتريتش الذي يطالب بتولي وزارة الأمن فيقدّم صورة عن التعصّب الديني الأعمى الذي يطالب بإخضاع المجتمع لتعليمات الشريعة اليهودية.
وأوضح أن الحركات الأرثوذكسية لم تكن مهتمة بالصهيونية، بل كان يهمها فقط عيش حياة دينية، لكن اليوم، وبسبب الواقع السياسي في الداخل الإسرائيلي؛ فقد تصهين شباب هذه الحركة وباتوا في عداد اليمين المتطرف الذي يشكّل خطرًا على الفلسطينيين وعرب الداخل. ومع ذلك سيواجه معسكر الصهيونية الدينية تحديات داخلية خاصة في سعيه إلى إملاء توجهاته الدينية على المجتمع “العلماني” في إسرائيل، والتدخل في قوانين الأحوال الشخصية، “عبر إحداث ثورة قضائية تعلي من شأن أحكام الشريعة اليهودية على حساب القوانين الوضعية”، والعمل على تجريد المحكمة العليا من صلاحيات مراقبة القوانين التي يصدرها الكنيست والنظر في دستوريتها، فالأحزاب الأرثذوكسية الدينية تريد حياة بموجب الدين اليهودي.
وحول ما إذا كانت هذه المطالب ستشكل عقبة أمام نتنياهو في تشكيل حكومته، يرى عزمي بشارة أن نتنياهو أصبح أكثر يمينية وتطرفًا وكذبًا مما كان، وتحالُفه مع المستوطنين أكثر وثوقًا، وبشكل عام فاليمين واليمين المتطرف لن يفوّتا فرصة الائتلاف، وإذا لم ينجحوا ثمة خيار آخر وهو اليمين المتطرف المعارض لنتنياهو ممثلًا في لبيد والجنرالات، لأن الخلاف بين أطراف اليمين ليس حول جوهر السياسات، وقوى اليمين تعتبر أن نتائجها الحالية فرصة تاريخية ينبغي ألّا تفوّت.
المشاركة العربية في الانتخابات
وحول مشاركة الأحزاب العربية في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، اعتبر بشارة أن نسبة المشاركة في التصويت، التي بلغت 53%، تُعدّ عادية، مع أنها جاءت أعلى من الانتخابات السابقة التي بلغت 45%، مشيرًا إلى أن عرب الداخل لم يستغلوا كل إمكاناتهم للتأثير من أجل قضاياهم والقضايا المتعلقة بفلسطين عمومًا.
وأثبتت نتائج القوائم العربية المشاركة حسب المفكر العربي أن خيار المشاركة في الائتلاف الحكومي لم يحقّق شيئًا عكس ما كان يتوقعه المدافعون عنه، لأن التمييز في إسرائيل بنيوي. بل قادت المشاركة في الحكومة الإسرائيلية، إلى نتائج عكسية إذ تعزّزت شوكة اليمين المتطرّف الرافض للعرب والذي استخدم في دعايته ورقة دخول العرب في حكومة بينيت ولابيد. ففي دولة ترى نفسها يهودية يؤدي هذا السلوك إلى ضده، وهو ما تجسّد في رد فعل عنيف وعنصري من الشارع الإسرائيلي برفع نسبة اليمين.
فضلًا عن ذلك، فالدخول في ائتلاف حكومة الاحتلال، مثّل كسرًا للثقافة السياسية والتربية التي يفترض أن تقوم الحركة الوطنية بها لصالح كوادرها، كما يشكّل الانضمام إلى معسكر صهيوني كسرًا أخلاقيًا مع الهوية الوطنية واشتراط الحقوق بالولاء السياسي. علمًا بأن فلسطينيي الداخل حصلوا على حقوق كثيرة وتطورت أوضاعهم دون المشاركة في الحكومات الإسرائيلية بل عبر خوض النضال والدخول في البرلمان الذي كان تسوية لا بدّ منها. ولذلك كان الموقف السليم هو رفض المشاركة في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية ولو ترتّب عليها انقسام وتنافس سياسي.
وحول النتائج التي حصل عليها حزب التجمع الوطني والتي بلغت حوالي 140 ألف صوت، وكانت دون نسبة الحسم، فهي تمثل نتيجة إيجابية حسب بشارة، فقد أرجع حزب التجمع الحياة للحركة الوطنية الفلسطينية في ظل ظروف صعبة يمر بها الحزب والمطلوب الآن المحافظة على تلك النتيجة والاستمرار في النضال.
وأشار بشارة في هذا المضمار إلى أن حصول الحركة الإسلامية الجنوبية التي تعلن سياسة الدخول في الائتلافات الحكومية على المركز الأول، مؤشر على أن “وهم المشاركة في الحكومات الصهيونية وممارسة التأثير من داخلها” مازال له أساس، وهذا يتطلّب جهدًا أكبر من طرف الحركة الوطنية لإثبات تناقضه واستحالته.
العلاقة مع السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية والإقليم
وفي المحور الثالث من تقدير موقف، تناول بشارة موضوع واقع السلطة الفلسطينية عقب الانتخابات الإسرائيلية، قائلًا إن الوضع الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية مزر، إذ لم تعد الحكومات الإسرائيلية مستعدة للجلوس مع قيادة السلطة بأي شرط، ولا يبدو أن هذا الواقع سيتبدّل، معتبرًا أن السلطة ستواجه مزيدا من الضغط في ظل تفجر الأوضاع في الضفة الغربية، التي وصف حالتها “بانتفاضة تحت السلطة”.
وعلى صعيد السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، أشار بشارة إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن بات اليوم أضعف من السابق، بغض النظر عن نتائج الانتخابات النصفية. لكنه اعتبر في المقابل أن تقدّم نتنياهو وتراجع الحزب الديمقراطي لن يكون له تأثير جذري على العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. وأشار بشارة إلى وجود غضب عند يهود أميركا من نتنياهو الداعم للجمهوريين، إلا أنه اعتبر أن “التحالف الإسرائيلي الأميركي لا يمكن أن يتغير مع تغيّر الأشخاص في الحكم”.
ورأى بشارة أن نتنياهو سيستكمل مسار من سبقوه في التصعيد تجاه إيران ورفض أي اتفاق حول برنامجها النووي، مع مواصلة سياسته المعتمدة على نقل الحرب إلى داخل إيران. أما في موضوع ترسيم الحدود مع لبنان، فيميل بشارة للاعتقاد بأن هذا الملف لن يتأثر بوصول نتنياهو إلى السلطة، مشيرًا إلى أن “ما جرى هو اتفاق مقبول في إسرائيل رغم الضجيج الانتخابي الشعبوي”.