أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي استشرف فيها آفاق السياسة الخارجية لفريق بايدن اتجاه القضية الفلسطينية.
فقد عمل الباحث على رصد أبرز القادة الجدد في نطاق صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، محاولاً تحديد أهم توجهات كل منهم، ثم تحديد نقاط التلاقي بينهم، ودراسة انعكاس ذلك على الملامح المركزية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع القادمة.
وقد لاحظ الدكتور وليد عبد الحي أن أغلب فريق بايدن للسياسة الخارجية من ذوي الخلفيات السياسية والقانونية. وأن نسبة التوافق في توجهاتهم عالية مما يعني استقرار الإدارة والقدرة على بناء استراتيجية متناغمة الأبعاد. كما أن أغلبهم له صلات وثيقة بـ"إسرائيل" مما سيساعد هذا الفريق على امتصاص أي توترات تبرز بين "إسرائيل" والولايات المتحدة خلال العراك الديبلوماسي مع مختلف الأطراف. وتوقّع أن تكون إدارة بايدن أكثر قدرة على اتخاذ القرارات في ظل سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب من ناحية، وتحقيقهم التوازن مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ من ناحية أخرى.
وختم الدكتور عبد الحي ورقته مركزاً على التوجهات المشتركة بين صانعي ومتخذي القرار السياسي الأمريكي، ولخصها بجملة نقاط:
1. قد تعود بعض الحياة إلى موضوع حلّ الدولتين، وقد يدور الحوار حول هذا الموضوع بين بُعدين: دولة فلسطينية أقل من الدولة الحيوية لكنها أكثر من الحكم الذاتي إلى جانب "إسرائيل".
2. استمرار التضييق على كافة أطراف محور المقاومة، وقد لا يكون الضغط العسكري هو الأكثر حضوراً، مع توظيفه بين الحين والآخر لمساندة النشاط الديبلوماسي، ولكن الضغط سيأخذ شكل المراوحة بين "الضغط والمماطلة" من ناحية، وبين الغواية بالمساعدات للفلسطينيين من ناحية ثانية، وقد يتم توظيف دول المنطقة في تحقيق الهدف المنشود للسياسة الأمريكية.
3. يبدو أن حركة بي دي أس ستواجه مصاعب استمرار العمل على تقييد حركتها في الولايات المتحدة والدول الأكثر تأثراً بالمواقف الأمريكية.
4. إن مواصلة الاستيطان اليهودي الصهيوني في الضفة الغربية قد تواجه معارضة أكثر من قبل الولايات المتحدة، لكن قد يجري البحث في مقايضة المستوطنات مع أراضٍ فلسطينية أو مع تسهيلات في المرافق (مطار، أو ميناء، أو مواصلات برية) لنقل وإدخال المساعدات والتجارة وغيرها.
5. من المستبعد أن تتم إعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب.
6. من المحتمل أن تعيد الولايات المتحدة النظر في قرار الاعتراف الأمريكي بضم هضبة الجولان لـ"إسرائيل".
7. ستعمل الولايات المتحدة على تشجيع مزيد من التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية، ولكن دون الضغوط العلنية على طريقة ترامب.
8. ستكون الديبلوماسية السرية secret diplomacy هي السمة الأكثر وضوحاً في سياسات إدارة بايدن خصوصاً في الموضوعات الأكثر حساسية، وهي سمة محبذة لأغلب أعضاء فريق بايدن السياسي.
9. من الأرجح أن تدور مفاوضات متذبذبة بين أمريكا وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، وقد تكون نتائج هذه المفاوضات هي الأكثر تأثيراً على التحالفات في المنطقة، خصوصاً العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والعلاقات الأمريكية الخليجية، وقد تتأثر نتائج هذه المفاوضات بالتغيرات المحتملة في الحكومتين الإسرائيلية والإيرانية بعد الانتخابات القادمة في كل منهما (إيران في شباط/ فبراير 2021، و"إسرائيل" في آذار/ مارس 2021). ويبدو أن الفريق الأمريكي سيبدي قدراً من التفهم لبعض المطالب الإيرانية في ظلّ مسألتين:
أ. إن أغلب فريق بايدن لا يميل للمواجهة العسكرية وتأزيم الموقف مع إيران تحديداً.
ب. إن بعض أعضاء فريق بايدن الفاعلين يتشاركون في فكرة أن درجة أهمية الشرق الأوسط للولايات المتحدة قد تراجعت قياساً لأهميته في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انتهاء الحرب الباردة.
10. على الأرجح ستواجه دول الخليج وخصوصاً السعودية ضغوطاً أمريكية لتكييف السياسة السعودية، وخصوصاً في مجال الإصلاح السياسي وبشكل لا يؤثر سلباً على المصالح الأمريكية.
11. ستكون العلاقات الأمريكية مع القوى الدولية (الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي) أقل توتراً، وسيتم توظيف ذلك في اتجاه ضغوط على دول الشرق الأوسط لتكييف سياساتها بما يتوافق مع التفاهمات بين القوى الكبرى، لكن هذه التفاهمات الأمريكية مع كلّ من روسيا والصين قد تعرف بعض التشنج خصوصاً في موضوع حقوق الإنسان وموضوعات الديموقراطية.
12. قد تكون الأمم المتحدة أكثر فاعلية في المرحلة القادمة، لا سّيما أن فريق بايدن لا يتبنى مواقف إدارة ترامب تجاه دور المنظمة الدولية.
13. ربما تعرف القضية الكردية حراكاً أكثر نشاطاً في الفترة القادمة، وهو أمر قد يجعل التقارب السوري التركي أمراً اضطراريا لكلا الدولتين لمواجهة المساندة الأمريكية والإسرائيلية للمطالب الكردية.
بناء على ما سبق، فإن إدارة بايدن ستحاول استغلال بعض الشقوق في جدران محور المقاومة، واستغلال كافة أدوات الغواية والتهديد لتوسيع هذه الشقوق للنفاذ منها باتجاه انتزاع تنازلات تجعل الاستراتيجية الأمريكية قابلة للتطبيق، وقد تصيب العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعض "التشنجات قصيرة الأجل" حول العلاقة الأمريكية الإيرانية، وحول دور الأمم المتحدة، وأخيراً حول حدود التنازلات في إيجاد كيانية فلسطينية.
كل ما سبق، يشير إلى أن على المعسكر الفلسطيني في محور المقاومة أن يستعد لضغوط ليست بالضرورة عسكرية، بل اقتصادية وسياسية وإعلامية تخالطها بين الحين والآخر ضغوط عسكرية باتجاه دفع هذا المعسكر المقاوم للتناغم مع سياسة السلطة الفلسطينية خصوصاً باتجاه الإقرار باتفاق أوسلو بشكل أو آخر، وهو ما ينطوي على قدر كبير من الخطورة، بينما ستحاول السلطة الفلسطينية توظيف التراخي الأمريكي في الضغط عليها للمسارعة في تطبيق مبادئ أوسلو.
إن كل ما سبق يقدم تصوراً للمشهد الشرق أوسطي وشبكات تفاعله الثنائية (الأمريكية الشرق أوسطية)، لكن هذا المشهد يحتاج لربطه بالمشهد الأمريكي الدولي، وخصوصاً القوى الدولية الأخرى وردود أفعالها على المشهد الذي رسمناه، وهو ما سنعمل في دراسة أخرى على تناوله لاحقاً.