عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني/ يناير 2021 الجلسة الثانية من حلقة نقاش بعنوان: "قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2020 – تقدير استراتيجي 2021"، وذلك في إطار تقييمه الاستراتيجي السنوي لتطورات القضية الفلسطينية واستشراف مساراتها المتوقعة.
وقد شارك في حلقة النقاش نخبة من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ناقشوا خلالها البيئة العربية والإسلامية والدولية وتطوراتها المؤثرة في القضية الفلسطينية. وتحدث خلال الحلقة، التي أدارها أ. عاطف الجولاني، كلّ من أ.د. أحمد نوفل، و أ.د. طلال عتريسي، ود. إبراهيم فريحات، ود. سعيد الحاج.
وفي إطار حديثه عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي: التطورات والمسارات المحتملة، أكد أ. د. أحمد نوفل، أن تطبيع بعض الدول العربية العلاقات مع الاحتلال جاء من "مبدأ مصلحة تلك الدول"، من وجهة نظرها، لكن على حساب القضية الفلسطينية، لكن ستثبت الأيام أن هذه الخطوة لم تكن في صالح هذه الدول التي طبّعت؛ فالكيان الصهيوني لا يهدد الشعب الفلسطيني ودول الجوار فقط، بل يهدد كافة الدول العربية والإسلامية.
وأضاف نوفل أنه لا يحق للدول العربية أن تعترف بـ"إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني، وأن مستقبل تطبيع العلاقات مبنيٌّ على باطل، فهذا الكيان هو كيان عنصري لا يمكن له الاندماج بالمجتمعات العربية. والشعوب العربية سوف ترفض التطبيع، وهي لم تُستفتَ ولم يُؤخَذ رأيها من قِبَل هذه الحكومات المطبِّعة؛ لأنها تعرف أن هذه الشعوب حيّة ولن تقبل التطبيع بأيِّ ثمن كان. كما لا يمكن أن نصدِّق أن الدول العربية المطبّعة مع الاحتلال فعلت ذلك تحقيقاً لمصلحة الشعب الفلسطيني، أو أن طريق المهادنة والتسويات من دون إرجاع الحقوق الفلسطينية والعربية سوف يأتي بنتيجة؛ فما أُخِذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة.
ثم تحدث أ.د. طلال عتريسي حول إيران والقضية الفلسطينية: التطورات والمسارات المحتملة، فرأى أـن أبرز ما حصل سنة 2020 هو عملية التطبيع الخليجي الإسرائيلي وهذا أمر خطير للغاية؛ فالخطورة تكمن في تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. هذه التحالفات بين بعض الدول الخليجية و"إسرائيل" تنبني على أساس الادعاء أن القضية الفلسطينية لم تَعُد قضية عربية مهمة، بل إن التركيز الآن يجب أن يتجه نحو الخطر القادم من إيران، فـ"إسرائيل" لم تعد عدوة بحسب زعمهم. ومن المؤسف القول أن هذا التطبيع كان من دون مقابل، لكن الخطورة هي في محاولة تضليل شعوب المنطقة بالقول إن هذه الخطوة جاءت لمصلحة القضية الفلسطينية لا على حسابها. هذا التطبيع هو هدية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبمباركة منه. وأشار عتريسي إلى أنه من المهم التنبيه أن خطوة التطبيع هذه سوف يكون لها تبعات خطيرة ليس على إيران فقط، بل على كل من يقاوم الكيان الإسرائيلي في المنطقة. التعاون الأمني سيكون في سلم الأوليات بالنسبة لـ"إسرائيل"، ما سوف يضع إيران في موقع تهديد لأمنها القومي؛ فـ"إسرائيل" باتت جارة إقليمية لإيران من خلال العلاقات والتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين؛ وهذا لن يمرّ بلا مراجعة شاملة في الطريقة التي سوف تتعاطى بها طهران مع هاتين الدولتين، فالحسابات اختلفت هذه المَرّة. وتوقع عتريسي أن تطوِّر أطراف "محور المقاومة" من طريقة تعاونها وتنسيقها فيما بينها في المرحلة القادمة، لأن الأطراف المقابلة سوف تعمل بطريقة منسقة ومدروسة لتحقيق مشروعها. ودعا إلى تشكيل محور مقاومة التطبيع، من خلال تعاون يقوم بين مختلف الأحزاب والمنظمات في العالم العربي والإسلامي لمواجهة هذه المشروع التطبيعي الاستسلامي.
وفي حديث د. إبراهيم فريحات عن التأثير الدولي وخصوصاً الأمريكي على القضية الفلسطينية ومساراته المحتملة، توقع أن تسير السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بين "شبح الرئيس ترامب وروح الرئيس أوباما"، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ورأى فريحات أنه على الرغم من أن هناك تمايزاً نوعاً ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالنسبة للتعاطي مع القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة، إلا أن هذا التغيير لم ينعكس في تشكيلة إدارة بايدن الجديدة. فعلى سبيل المثال تمّ تعيين أنتوني بلينكن الديموقراطي المحافظ الذي يتبنى الخط التقليدي المؤيد لـ"إسرائيل" وزيراً للخارجية الأمريكية. وتوقع أن بايدن سيعمل على استبقاء الكثير وليس كل ما قام به سلفه ترامب؛ فلن ينقل مقرّ السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب على سبيل المثال، لكنه سوف يوقف سياسة التجويع ضدّ الفلسطينيين التي انتهجها ترامب، وسوف يعيد المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا ويُعيد بعض المساعدات التي كانت تتلقاها السلطة الفلسطينية أو كانت تُدفَع كمساعدات لمشاريع مستقلة كالمستشفيات في القدس وغيرها. ولن يؤيد بايدن المشاريع الاستيطانية الكبرى كما فعل ترامب؛ لكن معارضته لها ستكون من خلال التصريحات والمواقف الدبلوماسية فقط. وبالنسبة لمشاريع التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل" فلن يقود التطبيع ويفرضه فرضاً، لكنه سيدعمه. وأكد أن الدعم الأمريكي المالي والعسكري لـ"إسرائيل" سيستمر بغض النظر عما سيؤول إليه مسار التسوية. ودعا إلى عدم رفع سقف التوقعات بالنسبة لإدارة بايدن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ فعلى الفلسطينيين أن يكون لهم مشروع يتفقون حوله للتأثير في سياسة بايدن. واستبعد فريحات تخلي أوروبا عن دعم اتفاق أوسلو مهما كانت الظروف.
وفي مداخلة د. سعيد الحاج حول تركيا والقضية الفلسطينية: التطورات والمسارات المحتملة، أكد أن الموقف التركي من القضية الفلسطينية في سنة 2020 ما زال كما كان؛ تأييد حل الدولتين، ودعم المبادرة العربية للسلام، والتعاون مع مختلف الأطراف الفلسطينية؛ السلطة وحركة حماس والفصائل الأخرى. مع استمرار العلاقة السياسية بحدها الأدنى مع الاحتلال الإسرائيلي وعدم عودتها إلى سابق عهدها، على الرغم من إمكانية التقارب بين الطرفين في عهد الرئيس بايدن. وأشار الحاج إلى أن الموقف التركي من القضية الفلسطينية عادة ما يُصاغ وفق اعتبارين: الأول، المشهد التركي الداخلي وقوة ونفوذ حزب العدالة والتنمية، وقدرته على اجتراح متغيرات معينة على سياسة تركيا التقليدية. والثاني، تطورات القضية الفلسطينية نفسها؛ إذا كان هناك عدوان إسرائيلي أو مسار سياسي معين؛ مثلاً: قطع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعد الاعتداء الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" سنة 2010. كما أشار الحاج إلى تغيّر السلوك التركي تجاه المصالحة الفلسطينية بحيث قامت باستضافة الأطراف الفلسطينية للتباحث في ملف المصالحة في تركيا في أيلول/ سبتمبر سنة 2020. وتناول الحاج التحول التركي بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الأمريكية؛ واستعدادها للتواصل مع الكيان الصهيوني. ورأى أن الحسابات التركية لفترة إدارة بايدن القادمة، خصوصاً فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية أمريكية على أنقرة بسبب منظومة أس 400 الروسية الصنع، وغيرها من الملفات، هي التي حكمت التغيّر الذي طرأ على سياسة تركيا الخارجية فيما يتعلق بالملفات الخارجية ومن ضمنها الملف الإسرائيلي.
وقد كان هناك العديد من المداخلات الغَنيّة والمهمة التي شارك فيها الأساتذة زياد إبحيص وأمين حطيط وأسامة حمدان وفواز السوسي ومحمود العيلة وماجد الزبدة وعبد الله العقاد وساري حنفي وعواد المهداوي وعلي هويدي