ستواجه المنطقة العربيّة سيناريوين اقتصاديين في عام 2021، أحدهما متفائل يتوقع تحقيق معدل نمو يصل إلى 3.5%، والآخر أقل تفاؤلًا يقتصر فيه النمو على 2.8%. وسيتحدد المسار بناءً على قدرة البلدان على مواجهة جائحة كوفيد-19، التي بسببها خسرت المنطقة في عام 2020 ما يقارب 140 مليار دولار لتحقق نسبة نمو سالبة قُدرت بـ 3%-. جاءت هذه التوقعات في العدد الجديد لعامي 2019-2020 من "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية"، الذي تصدره لجنة لأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي أسيا (الإسكوا) سنويًا.
ويحذر التقرير من أنّه رغم توقع معدلات نمو إيجابية في كلا السيناريوين، فإن هذا لن يكون كافيًا لخلق ما يلزم من فرص عمل لائقة. فالبطالة في المنطقة العربيّة مرجّحة للارتفاع إلى 12.5% في عام 2021، وستبلغ أعلى معدلاتها في فلسطين (31%) وليبيا (22%)، وستزيد عن 21% في تونس والأردن. أما دول مجلس التعاون الخليجي، فستسجّل معدلات بطالة بنحو 5.8%. كما من المتوقع أن تزيد صادرات المنطقة بمقدار 10.4% في عام 2021، بعد أن كانت قد انخفضت بمقدار 50% في العام الماضي.
في هذا الإطار، شرح محمد الهادي بشير، المشرف على فريق إعداد التقرير في الإسكوا، أن الأزمة في المنطقة العربيّة تتجاوز المعطى الاقتصادي لتشمل تحديّات اجتماعيّة كبرى، مثل انتشار الفقر الذي قد تصل نسبته في عام 2021 إلى 32% ليطال 116 مليون فرد، وتفاقم البطالة بين الشباب لتصل نسبتها إلى حوالي 27%، واستمرار عدم المساواة بين الجنسين بمختلف أوجهه. ويوضح بشير أن المنطقة العربيّة لا تزال تسجّل فجوة بين الجنسين بنسبة 40% هي الأعلى في العالم.
ويشير التقرير إلى أن مجموعة البلدان العربية ذات الدخل المتوسط ستحقق أعلى معدلات نمو في المنطقة بنسبة 5% وفقًا للسيناريو المتفائل، و4.1% وفقًا للسيناريو الأقل تفاؤلًا، في حين يتراوح معدل النمو في دول مجلس التعاون الخليجي بين 2.3 و2.1%. أما البلدان العربية الأقل نموًا، فستحقق أدنى المعدلات ولن تتخطى 0.5 أو 0.4%.
وأكّد بشير أن التحديات التي تواجهها المنطقة تتطلّب جهدًا مُضاعفًا من الحكومات العربيّة لتوفير شبكات الأمان الاجتماعي اللازمة، لا سيّما في المجتمعات المضيفة للاجئين والنازحين، حيث يُخشى من تدهور الظروف المعيشية مع حالات الركود الاقتصادي التي تصيب البلدان المانحة.
ويركز التقرير هذه السنة على مسألة الديون في المنطقة، التي تضاعف حجمها خلال العقد الأخير لتصل إلى ما يقارب 1.2 تريليون دولار في البلدان العربية غير المتأثرة بالنزاعات، وإلى أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية المتوسطة الدخل. ويرجع هذا الوضع الخطير بالأساس إلى استمرار أغلب البلدان في تمويل إنفاقها الحكومي عبر الاقتراض، ما يأتي بنتائج سلبية على الإنتاجية والنمو، بالإضافة إلى ضعف مستوى الحوكمة في المنطقة، ما يطرح تحديًا أمام الدول يكمن في" كيف تنفق" وليس "كم تنفق".
وينذر التقرير بأن الوضع قد يؤدي، إذا ما تواصل، إلى أزمة ديون من شأنها أن تعمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية، بخاصة في الدول المتوسطة الدخل التي لن تستفيد من مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين، والتي استفادت منها الدول المنخفضة الدخل حيث وفّرت حولي 294 مليون دولار. ولهذا السبب، يدعو التقرير إلى توسيع نطاق هذه المبادرة لتشمل البلدان المتوسطة الدخل، التي وصلت خدمة الدين فيها إلى 18 مليار دولار، مع التزام هذه الدول بسقفٍ للعجز المالي لا يمكن لها أن تتجاوزه من أجل ضمان قدرتها على تحمّل الديون.