شدد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي استقبله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، على “انه لا يمكننا الّا نتطلع الى شعبنا الجائع والعاطل عن العمل والفاقد الامل والثقة، لا سيما شعبنا الذي في بيروت وهو يعاني نتيجة انفجار الرابع من آب، ويقف متفرجا على جراحه، فهذا سبب اساسي لتكون لدينا حكومة”، معتبرا “انه من الضروري ان نصل الى التفاهم النهائي بين الرئيس المكلف وفخامة الرئيس وفقا للدستور.”
واكّد البطريرك الماروني “انه لم يلمس على الاطلاق من رئيس الجمهورية انّه متمسك بالثلث المعطّل، خاصة وان هناك اتفاق ورأي عام يقومان على وجوب الّا تكون الحكومة سياسية، ولا حزبية، بل مكونة من اختصاصيين، غير مرتبطين بأي حزب”، كاشفا انه “لا يعرف كافة الأسماء المطروحة وليس من دوري ان أقوم بعملية تقييم لها”،
مشيرا الى “ان مسألة تقييمهم واسناد الحقائب لكي تكون هناك فعلا حكومة اختصاصيين وكل احد في مكانه، تعود الى فخامة الرئيس والرئيس المكلّف.”
ولاحظ البطريرك الراعي “اننا نعيش في بيئة مشرقية على كف عفريت فهل يمكن للبنان ان يغيب عنها، واذا لم يكن هناك من حلول، فلا يمكن له ان يبقى رابطا نفسه هنا وهنالك”، مؤكدا “انه لا يمكن للبنان ان يعيش هكذا فيما هو يخسر مؤسساته الواحدة تلو الأحرى، ويعاني من الشلل.”
وإذ دان البطريرك الماروني الحملات الإعلامية التي يتعرض لها رئيس الجمهورية، معربا عن رفضه لها، قال: “نحن كمواطنين ورجال دين نريد الاحترام للسلطات القائمة، وهذا نابع بحكم تكوين تفكيرنا وتربيتنا وروحانيتنا، فنحن نحترم كل حامل سلطة. واذا ما كان لدي أي امر تجاه حامل سلطة، عليّ ان اصارحه بها. لكن ليس علي ان آتي في الاعلام لأتعرض لكرامة صاحب السلطة، فكيف اذا كان رئيس الجمهورية؟ اذا ما كان لديك أي امر، تفضل وقله له، لكن على الاحترام ان يبقى فوق أي اعتبار.”
تصريح البطريرك الراعي
وبعد اللقاء مع الرئيس عون، الذي استمر قرابة الساعة ونصف، ادلى البطريرك الراعي بالتصريح التالي الى الصحافيين: “يشرفني دائما قبل العيد، ان ازور فخامة رئيس الجمهورية لكي ادعوه رسميا الى قداس العيد، كما جرت العادة. لكن فخامة الرئيس يسبقنا دائما ويقرر حضور القداس، فتأتي زيارتي اليه شكلية تقريبا، لأنه مصمم ان يحضر القداس. وكان تمنيّ ان نعيّد وتكون لدينا حكومة. وهذا كان موضع حديثنا طوال وقت الزيارة، لأنه لا يمكننا ان نبقى على هذا الوضع، فهناك الكثير من الأمور التي تستدعي الّا ننتظر أي يوم إضافي، لاسباب ثلاثة:
أولا ان شعبنا لم يعد قادرا على الاحتمال بعد. ولا يمكننا الّا نتطلع الى شعبنا الجائع والعاطل عن العمل والفاقد الامل والثقة ، ولا سيما شعبنا الذي في بيروت وهو يعاني نتيجة انفجار الرابع من آب، ويقف متفرجا على جراحه. وهذا سبب اساسي لتكون لدينا حكومة. فوجودها يعني ان نعيد الحياة الطبيعية بمعنى انه بات لدينا سلطة تنفيذية تتحمل مسؤولياتها، وهي من المؤسسات الدستورية التي يجب ان تكون موجودة. من هنا لا يمكننا ان نبقى على حكومة تصريف اعمال، قد تستمر لشهر او شهرين، لكن لا يمكنها ان تبقى لمدة أربعة او خمسة او ستة اشهر. هذا امر غير طبيعي لأن البلد يقع في الشلل. وكأن وباء كورونا غير كاف لشل كل الأمور. لذلك لا يمكننا ان نبقى هكذا. ومهما كانت الأسباب والظروف، فإنه من الضروري ان نصل الى التفاهم النهائي بين الرئيس المكلف وفخامة الرئيس وفقا للدستور. وهذا سبب أساسي، لأن شعبنا لم يعد قادرا على التحمل.”
أضاف: “اما السبب الثاني، فهو ان وجود حكومة هو باب لكافة الإصلاحات، بدءا من إعادة اعمار بيروت. فنحن لا يمكننا ان نقف متفرجين عليها هكذا، ولا ان ندع المواطنين وحدهم يعيدون الإصلاح من لحمهم ودمهم. انا اشكر جميع الذين مدوا يد المساعدة من منظمات إنسانية او دول ساعدت. الا اننا امام ورشة كبرى تحتاج الى المليارات، وهذا يتطلب وجود حكومة.”
وقال: “إضافة الى كل ذلك، فنحن نعيش في بيئة مشرقية على كف عفريت. فهل هناك من حلول، ولبنان غائب؟ لا يمكن ان يغيب لبنان، فهو يجب ان يكون جالسا على كرسيه، ولا يمكن لهذا الكرسي ان تبقى فارغة. واذا لم يكن هناك من حلول، فلا يمكن كذلك للبنان ان يبقى رابطا نفسه هنا وهنالك. واذا كانت هناك من حرب، فيجب علينا أيضا ان تكون لدينا حكومة تعرف كيف تفكر وتعمل. فباب كل المؤسسات هي الحكومة. لا يمكن للبنان ان يعيش هكذا فيما هو يخسر مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، ويعاني من الشلل. والحق ليس على وباء كورونا وحده، فهذا الوباء عطّل الاعمال واجبرنا على التزام منازلنا وعدم متابعة حياتنا الطبيعية، اما المؤسسات في الدولة فهي قائمة بذاتها ولا تحتمل أي تأجيل على الاطلاق. هذا كان محور حديثنا مع فخامة الرئيس، وهو همنّا المشترك الذي حملناه اليه. وبالطبع فإن الرئيس هو الرئيس، وكيفما فكّر الناس فإنهم ينادون رئيس الجمهورية، وهذا امر طبيعي، ولكن على المؤسسات أيضا ان تسير بشكل طبيعي، والقضاء والإدارات والوزارات عليها ان تسير بشكل طبيعي. هذا كله مرتبط ببعضه البعض.”
حوار
وردا على سؤال حول ما اذا كان نقل رسالة من الرئيس الحريري الى رئيس الجمهورية قال: “لا لا. انا اتيت أولا بصفتي الشخصية كبطريرك متحملا مسؤوليتي، وحاملا الهم الذي يعبّر عنه الشعب باستمرار. نحن لدينا يوميا استقبالات، واناس تأتي الينا، وتصلنا رسائل يومية من الناس. وقد حملت الى فخامة الرئيس صوت الناس ووجعهم، ووجعنا معهم، فنحن من الناس. وليس من الطبيعي ان نبقى هكذا. انا طلبت من الرئيس الحريري ان استمع منه لماذا هناك تأخير في تشكيل الحكومة. وقلت لفخامة الرئيس هذه الأمور، واستمعت الى وجهة نظره.”
وأوضح ردا على سؤال اخر “أنه ليس هناك من عرقلة لا من هنا ولا من هناك. الأمر يقتضي جلسة مشتركة، وهذا ما قلته الى فخامة الرئيس.”
وسئل عن اعتراض الرئيس عون على تفرد رئيس الحكومة المكلف بتسمية الوزراء خصوصا المسيحيين منهم، فأجاب: “نحن لا ندخل في هذا الموضوع كله. نحن ننطلق من المبدأ الأساسي في الدستور الذي ينص على ان الرئيس المكلف يحضّر تشكيلته. اما كيف يحضّرها، فهذا عمله. وعليه ان يأتي الى رئيس الجمهورية للتشاور معه كي تصدر الحكومة. وانا لا ادخل معهما في التفاصيل لجهة من معه حق ومن ليس معه حق. هذ الامر يتم حله بين بعضهما البعض، وهذا ما يجب ان يحصل.”
وسئل عن رفض الرئيس المكلف إعطاء الثلث المعطّل لأحد، فأجاب: “انا لم المس في حديثي مع فخامة الرئيس انه متمسك بالثلث المعطّل، خاصة وان هناك اتفاق ورأي عام يقومان على وجوب الّا تكون الحكومة سياسية، ولا حكومة حزبية، بل حكومة مكونة من اختصاصيين، غير مرتبطين بأي حزب. فلو كانت الحكومة سياسية، عندها يمكن الكلام على ثلث معطّل شمالا ويمينا، علما انه كمبدأ فإن الثلث المعطّل غير موجود لا بالطائف ولا في الدستور، وهو دخيل ولا لزوم له في نظري. اما ان تكون الحكومة من مستقلين وتقنيين ولا علاقة لها بالاحزاب، فأنا لم المس على الاطلاق في حديثي ان فخامة الرئيس متمسك بالثلث المعطّل.”
وعمّا اذا كان الرئيس المكلّف وضعه بصورة الأسماء المطروحة من قبله، وما رأيه بها، أجاب: “انا لا اعرف كافة الاسماء، لأنه تم تبادل هذه الأسماء بين الرئيس المكلف وفخامة الرئيس، وهناك اكثر من اسم او اثنين. وانا شخصيا لا اعرف الأشخاص، وليس من دوري ان أقوم بعملية تقييم لهم. انا احترم حدودي أيضا. ان مسألة تقييمهم واسناد الحقائب اليهم لكي تكون هناك فعلا حكومة اختصاصيين، كل احد في مكانه فيها، فهذه أمور من اختصاص فخامة الرئيس والرئيس المكلّف.”
وسئل عن موقفه من الحملات الإعلامية التي تطاول رئيس الجمهورية، يوميا، فأجاب: “نحن ضد هذه الحملات. ونحن كمواطنين ورجال دين، نريد الاحترام للسلطات القائمة، بحكم تكوين تفكيرنا وتربيتنا وروحانيتنا، فنحن نحترم كل حامل سلطة. واذا ما كان لدي أي امر تجاه حامل سلطة، عليّ ان اصارحه بها. لكن ليس علي ان آتي في الاعلام لأتعرض لكرامة صاحب السلطة، فكيف اذا كان رئيس الجمهورية؟ اذا ما كان لديك أي امر، تفضل وقله له، لكن على الاحترام ان يبقى فوق أي اعتبار. مع الأسف اليوم، فأن وسائل الاتصال تسمح لنفسها بأن تتعرض للجميع، وقد تعّرضت لنا شخصيا اكثر من مرة، وجرحتنا اكثر من مرة، وجرحت كرامتنا اكثر من مرة. وجوابي كان ان من يريد ان يعرف الحقيقة، فبكركي معروفة، وليس لدينا أي امر مخفي، تفضل اسألني وانا اعطيك الجواب. ولكننا لا نقبل ولا نسمح ولا نقوم بانتهاك كرامة أي انسان كأنسان ، فكيف اذا كان صاحب مسؤولية. هذا بحكم تربيتنا وثقافتنا.”
النائب جان عبيد
واستقبل الرئيس عون النائب جان عبيد واجرى معه جولة افق تناولت التطورات السياسية الأخيرة. بعد اللقاء، اكتفى النائب عبيد بالقول انه عرض مع رئيس الجمهورية مجمل الأوضاع . وأضاف: “أودعت فخامته بعض الأفكار والاقتراحات، وقد أصبحت ملكه وفي عهدته، وهو صاحب القرار فيها.”
برقية الى الرئيس ماكرون
وكان الرئيس عون أبرق الى نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، مطمئنا الى صحته، ومتمنيا له الشفاء العاجل، بعدما كان قصر الرئاسة الفرنسي اعلن امس اصابته بوباء كورونا.