تحييد أثر الكربون بحلول عام 2050: المهمة الأكثر إلحاحاً في العالم

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى السنوية الخامسة لاعتماد اتفاق باريس التاريخي بشأن تغير المناخ، تتشكل حركة واعدة من أجل تحييد أثر الكربون. وبحلول الشهر القادم، ستكون البلدان التي تمثل أكثر من 65 في المائة من غازات الدفيئة الضارة وأكثر من 70 في المائة من الاقتصاد العالمي قد التزمت بالوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول منتصف القرن.

وفي الوقت نفسه، فإن المؤشرات المناخية الرئيسية آخذة في التدهور. وفي حين أن جائحة كوفيد-19 قد خفضت الانبعاثات مؤقتا، فإن مستويات ثاني أكسيد الكربون لا تزال في مستويات قياسية – وهي آخذة في الارتفاع. وكان العقد الماضي هو الأعلى حرارة في سجلاتنا. وانخفض الجليد البحري في منطقة القطب الشمالي في تشرين الأول/أكتوبر إلى أدنى مستوى على الإطلاق، وأصبحت الحرائق المروعة والفيضانات والجفاف والعواصف هي الوضع الطبيعي الجديد على نحو متزايد. فالتنوع البيولوجي ينهار، والصحارى تتمدّد، والمحيطات تصبح أدفأ وتختنق بالنفايات البلاستيكية. ويفيدنا العلم بأنه ما لم نخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة سنويا منذ الآن وحتى عام 2030، فستتفاقم الأمور. وبدلا من ذلك، فإن العالم يسير على الطريق نحو زيادة سنوية نسبتها 2 في المائة.

ويمنحنا التعافي من الجائحة فرصة غير متوقعة ولكنها حيوية للتصدي لتغير المناخ، وإصلاح بيئتنا العالمية، وإعادة هندسة الاقتصادات، وإعادة تصور مستقبلنا. وهاهو ما يجب علينا أن نقوم به:

أولاً، نحن بحاجة إلى بناء تحالف عالمي حقاً من أجل تحييد أثر الكربون بحلول عام 2050.

وقد التزم الاتحاد الأوروبي بذلك. وفعل الأمر نفسه كل من المملكة المتحدة واليابان وجمهورية كوريا وما يزيد على 110 بلدان. والتزمت بذلك أيضا إدارة الولايات المتحدة المُقبلة. والتزمت الصين ببلوغ الهدف قبل عام 2060.

وينبغي لكل بلد وكل مدينة وكل مؤسسة مالية وكل شركة أن تعتمد خططا للوصول إلى مستوى الصفر – وأن تتخذ إجراءات الآن لتكون في المسار الصحيح صوب ذلك الهدف، وهو ما يعني تخفيض الانبعاثات في العالم بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010. وقبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في غلاسكو، تُلزم الحكومات بموجب اتفاق باريس بأن لا تفتأ تبدي طموحا أكبر كل خمس سنوات وأن تقدم التزامات معززة تعرف باسم المساهمات المحددة وطنياً، ويجب أن تبرز هذه المساهمات طموحاً حقيقياً في تحييد أثر الكربون.

والتكنولوجيا عنصر مؤازر لنا. فمجرد تشغيل معظم محطات الفحم اليوم يعد أكثر تكلفة من بناء محطات جديدة للطاقة المتجددة من الصفر. ويؤكد التحليل الاقتصادي حكمة هذا المسار. ووفقا لمنظمة العمل الدولية فإنه، على الرغم من الفقدان المحتوم لفرص العمل، سيفضي التحول إلى الطاقة النظيفة إلى إيجاد ما صافيه 18 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030. ولكن يجب علينا أن نعي التكاليف البشرية لخفض انبعاثات الكربون، وأن ندعم العمال بالحماية الاجتماعية، والمهارات الجديد، وتطوير المهارات حتى يكون الانتقال منصفا.

ثانيا، نحن بحاجة إلى مواءمة التمويل العالمي مع اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة، وهي خطة العالم لمستقبل أفضل.

لقد حان الوقت لكي نحتسب ثمن الكربون؛ ونكُف عن دعم الوقود الأحفوري؛ ونوقِف بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم. ولنقل العبء الضريبي من الدخل إلى الكربون، ومن دافعي الضرائب إلى الملوثين؛ وإضفاء طابع الإلزامية على تقديم إقرارات عن المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ؛ وإدماج هدف تحييد أثر الكربون في جميع عمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية؛ ويجب على البنوك أن توائم إقراضها مع هدف الوصول إلى الصفر، كما يجب على مالكي الأصول ومديريها نزع الكربون من محافظهم.

ثالثا، يجب أن نضمن تحقيق تقدم في مجال التكيف والمرونة لمساعدة أولئك الذين يواجهون بالفعل آثارا مريعة لتغير المناخ.

لا يحدث هذا بما فيه الكفاية اليوم: فالتكيف لا يمثل سوى 20 في المائة من التمويل المتعلق بالمناخ. وهذا يعوق جهودنا للحد من مخاطر الكوارث. كما أنه ليس اختيارا ذكيا. ويمكن أن يحقق كل دولار يُستثمر في تدابير التكيف فوائد تبلغ زهاء 4 دولارات. وإن التكيف والمرونة أمران ملحان على نحو خاص بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية، التي يشكل تغير المناخ تهديداً وجودياً لها.

ويتيح لنا العام القادم ثروة من الفرص لمعالجة حالات الطوارئ على كوكب الأرض، وذلك من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة الرئيسية وغيرها من الجهود المتعلقة بالتنوع البيولوجي والمحيطات والنقل والطاقة والمدن والنظم الغذائية. وأحد أفضل حلفائنا هو الطبيعة نفسها: فالحلول المستمدة من الطبيعة يمكن أن تحقق الثلث من صافي التخفيضات من انبعاثات غازات الدفيئة اللازمة لتحقيق الأهداف الواردة في اتفاق باريس. ويمكن لمعارف الشعوب الأصلية أن تساعد في توجيه المسار. وفي حين تعمل البشرية على وضع الاستراتيجيات للحفاظ على البيئة وبناء اقتصاد أخضر، فإننا نحتاج إلى مشاركة مزيد من النساء ضمن دوائر صنع القرار.

لقد أوصلتنا الجائحة والمناخ إلى العتبة. ولا يمكننا العودة إلى الوضع الطبيعي القديم المتمثل في عدم المساواة والهشاشة؛ بل يجب علينا بدلا من ذلك أن نخطو في اتجاه أكثر أمنا وأكثر استدامة. وهذا اختبار معقد للسياسة واختبار أخلاقي عاجل. وعند اتخاذ قرارات تحدد مسارنا اليوم لعقود قادمة، فيجب أن نجعل من التعافي من الجائحة والعمل المناخي وجهين لعملة واحدة.

 

You May Also Like

More From Author