أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة وقال فيها: “ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. أيها الإخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن ضرورة التكاتف والتعاون بين المؤمنين خاصة وسائر المواطنين بشكل عام في هذه الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي نمر بها، فإنه كما هناك مسؤوليات تترتب على السلطة القيام بها من تأمين النظام العام وتهيئة مستلزمات العيش الآمن والكريم للمواطنين من إستقرار أمني ومجالات عمل وطبابة واستشفاء وضمان شيخوخة وغيره. كذلك فإن على المواطنين التعاون فيما بينهم وكذلك مع السلطات المعنية من أجل تحقيق هذه المصالح ولا يقتصر تحقيق هذا الأمر فقط على الحكومة التي تمتلك هذه السلطات وإن كانت تتحمل المسؤولية الأولى في ذلك. ولكن وبغض النظر عن تحميل المسؤوليات فإن وجود حكومة لا يعفي المواطنين أفراداً وجماعات ليس فقط من مسؤولية المحاسبة لهذه الحكومة، بل من تهيئة الظروف التي تمكنها من استيعاب المشاكل التي تنشأ عن تقصير أو قصور هذه الحكومة في القيام بمسؤولياتها كما هو الحال الذي نعيشه اليوم في بلدنا والتي تعجز فيه مجموعاته السكانية عن إقامة دولة حقيقية ديموقراطية، دولة مؤسسات وقانون، الأمر الذي يؤدي إلى العجز عن المحاسبة بسبب الحماية الطائفية لأصحاب النفوذ في السلطة وبذلك يسقط التعويل عليها في إمكانية قيامها بمهامها حيال مواطنيها وتأمين العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية ومستلزمات العيش الكريم مما يجعل المواطن رهينة لأصحاب النفوذ لحماية نفسه ومصالحه ويؤدي إلى الإنقسامات الحادة في المجتمع ونشوء حالة من الخوف بين المجموعات السكانية التي تأخذ كل منها شكل الدولة ضمن الدولة، وليست الحكومة سوى إدارة لتقسيم المغانم بين القوى المتحكمة بهذه الدويلات وتعفي نفسها من أي واجبات أخرى تجاه رعاياها. وفي الحقيقة أن المسؤوليات يتحملها الرعايا فهم الذين يقع على عاتقهم دفع الأتاوات وسد العجز الناشئ عن القروض الداخلية والخارجية التي من المفترض صرفها في تطوير البنية التحتية والمشاريع العمرانية والإنتاجية لو كان هناك دولة دولة حقيقية وقوانين ومحاسبة وأن تسد هذه القروض والضرائب التي تجبيها الخزينة بين الولاة ويُحَمَّل المواطن تبعاتها، وحينما يختلفون على المغانم يكون هو الوقود حيث تُنَضَّج على دمائه موائد اللصوص.
إن هذا الواقع المرير الذي نعيشه في هذا البلد وعلى رغم التكاليف الباهظة التي يدفعها من عمرانه وإنسانه يجعل من أبنائه رهائن لدى زعاماته الطائفية والتي تستخدمها في إرتباطاتها الخارجية لحماية إمتيازاتها التي حصلت عليها تحت الحجة المزعومة من حماية الأقليات المهددة من الأكثرية المسلمة في الشرق العربي والإسلامي التي هي ليست في الواقع إلا خديعة من الغرب الإستعماري لتفتيت المنطقة وإضعافها ولتكون ما سمي بالأقليات اليد التي يستعين بها لتحقيق مآربه دون أن تدري بدلاً من أن يدفع أية أثمان أو خسائر في الأرواح أو يثير حفيظة السكان. ومن ثَمَّ يعمق الهوة بين أبناء هذه المجموعات ويرسخ فيها العداوة والبغضاء وتصبح كل واحدة منها بحاجة إلى حماية هذا المستعمر الخبيث بذريعة حماية الأقليات والذي كان أخطر مبدأ إخترعه هذا العقل الغربي الشيطاني. في الوقت الذي ينادي فيه بحقوق الإنسان وبالمساواة والعدالة ويدّعي حماية الحريات، يقوم بعملية الفرز السكاني وتقسيم المجتمعات وتأليب بعضها على بعض ويتسبب بالحروب الأهلية الداخلية والقومية والعرقية والطائفية والمذهبية ويستغلها أيما إستغلال. وهكذا ففيما يدّعي هذا الغرب حماية الأقليات المدعاة يتسبب لها بمزيد من المشاكل وعدم الإستقرار الدائم لأن مصالحه تقتضي ذلك فهو بحاجة دائمة إلى إشعارها بحاجتها له كما هو بحاجة إلى إبقاء هذه البلاد بحالة إضطراب دائمة لأن إستقرارها يؤدي إلى تمكنها من إستغلال خيراتها وشعورها بالقوة التي تخيفه وتهدد مصالحه وتحد من نفوذه.
ولقد تنبهت منذ زمن بعض النخب إلى هذه الحقيقة ومهدت لتنوير عقول شعوبها وتوجيهها نحو التخلص من هذه اللوثة وما زال الصراع قائماً بين طبقتين من أبنائها طبقة إرتبطت مصالحها بهذا الواقع الناشئ فتستمد قوتها من إرتباطاتها الخارجية المهيمنة ومن حالة اليأس التي بدا لها أنها المسيطرة على الساحة وطبقة مستنيرة تريد التحرر من هذا الواقع والدفع نحو بناء وطن المؤسسات والقيم الإنسانية مستمدة القوة من منطق الحق والقيم والذي بدأ – بعد تجارب متعددة- يستعيد حيويته ويؤثر في واقع الصراع ويقلب موازين القوة لصالحه ويفرض رغم ذلك على العدو شروطه وإعترافه به والتسليم له بمطالب إنتزعها منه انتزاعاً وبقوة الثبات والصبر والتضحيات الجسام، فاضطرت الولايات المتحدة الأمركية رأس الحربة في هذا الصراع إلى الإنسحاب من إيران بعد خوضها صراعاً مريراً لم تترك وسيلة من وسائل المواجهة إلا إستخدمتها فيه من دون أن تستطيع أن تستعيد نفوذها الذي تهاوى بفعل هذه الثورة القائمة على الوحدة الشعبية ووحدة القيادة التي تمتعت بصلابة الموقف ونفاذ البصيرة والإيمان بحتمية النصر المرتبط بوعد الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (الذين إذا قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) والتصميم على الوصول إلى الهدف وهو تحقيق الإستقلال الحقيقي كل ذلك جعل من هذا الشعب قوة صلبة وقاعدة محكمة تحطمت عليها كل مؤامرات العدو.
كما إضطر العدو الإسرائيلي على الرغم مما يتمتع به من إمتيازات عسكرية ومادية ودعم دولي شامل وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات التي يمتلكها شعبنا وتمتلكها المقاومة والحصار الذي تعانيه داخلياً وخارجياً والحرب الإقتصادية، رغم كل ذلك اضطر العدو إلى الإنهزام أمام أبطال المقاومة مع كل أذنابه التي استعان بها من الإرهابيين وأبناء السحرة، والشعوذة كل ذلك بالصبر والثبات والإيمان بنصر الله تعالى والإستعداد للتضحية والشهادة.
لقد مر شعبنا بامتحانات وابتلاءات كبرى وعندما علم الله صدقه وإيمانه منحه النصر والعزة والكرامة وهي كما كان تحقيقها يحتاج إلى الصدق والصبر والإيمان فإن الحفاظ عليها يحتاج إلى الصدق والصبر والإيمان فإنهم لا يخوضون معركة ذات أهداف صغيرة وإنما يخوضون معركة مجد المستقبل الآتي بإذن الله تعالى، وهم طليعة هذه الأمة التي سينكشف لها بإذن الله صدقهم وسلامة قصدهم وما تنطوي عليه صدورهم فلا يقصر صبركم على تحمل المزيد فإن الفجر يلوح في الأفق وما النصر إلا صبر ساعة.
أيها الإخوة المؤمنون يريدون منكم أن تكونوا من أصحاب الجمل الجدد فتضلوا عن الطريق السوي وتنفضوا عن المقاومة بالأراجيف التي يسوقونها عبر إعلامهم المضلل والمأجور وبالأباطيل والشائعات المغرضة والمفبركة التي يحملها الغوغائيون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وأصبحوا أداة للعدو يوجهون سهامهم نحو هذه المسيرة التي حققت ما أطار صواب العدو ودفع ببعض المضللين والطامحين والطامعين إلى إطلاق التهم وتضليل الرأي العام إو يريدون بذلك أن تكونوا أن تكونوا من أصحاب صفين تخذلون الحق لينتصر الباطل. وهم يستمرون في زيادة الضغوط من أجل أن تيأسوا وتتعبوا وترفعوا أيديكم استسلاماً لهم.
ولكن إستمراركم بالثبات على هذا النهج وصبركم وتقواكم سيأخذهم إلى اليأس ولن يستطيعوا أن يثبطوا عزائمكم أو يضطروكم إلى الإنهزام والتراجع والتسليم لإرادتهم (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون) فبالإيمان والصبر والمصابرة وتقوى الله تعالى بتنفيذ أوامره بالثبات وعدم الإنهزام والخضوع لحسابات القلة والكثرة والعدة والعدد سيتحقق النصر بوعد الله تعالى الذي لن يتخلف ما التزمنا بهذه الشروط.
إن من تقوى الله تعالى، في هذه الظروف التي تمتحن فيها إرادتنا بعدم الخوف والجبن أمام تهويلات العدو وأمام الحصار الذي يفرضه على بلادنا، أن نقوي جبهتنا الداخلية وألا نسمح للعدو باختراق صفوفنا وإثارة الذعر والخوف في نفوس أبنائنا من المستقبل فإن الله مع الصابرين، فهذا أولاً.
ثانياً أن نقوم بواجبنا في نظم أمورنا والإلتفات إلى الفئات الضعيفة والمحتاجة إبتداءً من عناية كل منا بأرحامه وجيرانه وبالأيتام ليقدم ما يستطيع لسد حاجة من حاجاتهم والذي لا يتمكن من شيء فعلى الأقل بالتواصل معهم والمواساة لهم لأن ذلك فيه ثواب كبير وهو يمنحهم السكينة والإستقرار فلا يشعرون بالوحدة والغربة، قال أمير المؤمنين عليه السلام (الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم والله الله في بيوت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإن تُرِك لم تناظروا والله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم وألسنتكم في سبيل الله وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ) وهو موجب لرحمة الله تعالى لنا وقد هدد الله تعالى الذين لا يقومون بهذا الواجب الإجتماعي ويهملونه فقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)
ان المرحلة تقتضي منا رص صفوفنا وتقوية جبهتنا الداخلية حتى لا نترك للعدو مجالاً للنفاذ إلى داخلنا وضعضعة هذه الجبهة، ولذلك فإنه يتوجب على القادرين منا أن يقوموا بتقديم العون والمساعدة فإن هذا هو يومهم وهذه فرصة وفرها الله لهم ليستثمروا فيها أموالهم وإن يقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لهم والله عنده حسن الثواب وليوقنوا بقوله تعالى (من يقرض الله قرضاً حسناً ليضاعفه له) .
هذه هي التقوى المطلوبة ممن منَّ الله عليهم بالسعة والرزق. أما الذين يبخلون فليعملوا أن هذه من صفات اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان الذين أحبوا المال أكثر من أنفسهم ودفعهم إلى أن يبرروا ذلك باتهام الله تعالى بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.
إن علينا أيها الأخوة بعد سقوط الدولة وتآمر أصحاب الدويلات أن لا ننتظر قيامها حتى تقوم بواجباتها اتجاه الوطن واتجاه المواطنين، فإنه ربما إنتهى عند ذلك كل شيء قبل أن تقوم وإنما علينا كما كنا دائماً أن نبادر نحن إلى ما نستطيع ونعتمد على أنفسنا كما في مواجهة العدو أن نبادر للتعاون على قضاء حوائجنا و الإعتماد على أنفسنا في إنتاج ما يكفينا وأهلنا شر العوز والحاجة فلا نرى فينا ذليلاً ولا ننتظر أحداً من أهلنا يمد يده إلينا لنتصدق عليه فإن أهلنا أعزاءلا يمدون أيديهم ولا يذلون أنفسهم كما يقول الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (إن شيعتنا يموتون جوعاً ولا يمدون أيديهم إلى الناس) وكما يقول الله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)
وحتى لا يطمع العدو فينا والمنافقون الذين ينتظرون أن يروا فينا الذل أو الخزي (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) صدق الله العلي العظيم.
اننا لا نطمح ان يرتقي بعض السياسيين في لبنان الى مستوى التضحيات التي بذلها شعب لبنان وجيشه ومقاومته في سبيل دحر الاحتلال والعدوان وحفظ الامن والاستقرار، ولكن خطورة المرحلة التي يعيشها الوطن وشعبه تستدعي منهم ان يتنازلوا لما فيه مصلحة في ابقاء لبنان موحدا وقويا بوجه الحصار الاميركي الصهيوني ليكون بمنأى عن رياح الفتن التي تعصف بالمنطقة، وعليهم الاسراع في تشكيل حكومة انقاذية اصلاحية تضع في صلب برنامجها انقاذ الاقتصاد الوطني واستعادة المال العام المنهوب ولجم التدهور المعيشي، وليعلم الجميع ان مصلحة لبنان وشعبه فوق كل الاعتبارات السياسية والمصالح الحزبية، وسفينة الوطن مهددة بالغرق اذا استمرينا على هذا المنوال من سياسة النكد والتسويف والتحاصص، فاذا غرقت لاسمح الله فان الجميع غارقون لا محال.
ونحن كنا وما نزال عند موقفنا ان الاصلاح ضرورة وطنية لاعادة الثقة بين المواطن والشعب، وهذا الاصلاح ينطلق من القضاء النزيه البعيد عن التدخلات والضغوط السياسية، وبمقدار ما يتسم القضاء بالشفافية والنزاهة والحزم في تطبيق القوانين، فان مسيرة الانقاذ تسلك مسارها الصحيح، وما يسري على القضاء ينطبق على كل القطاعات والمؤسسات العامة في انتهاج سبيل العدل والانصاف حتى نثبت لانفسنا ان نزعة الخير ما تزال حية فينا، وحتى نستعيد ثقة الخارج بنا ونرمم ما تهدم من انعدام ثقة المواطن بالمسؤول.
وندعو الى الشفافية والحزم في كشف المتسببين والمتورطين عن الكارثة الانسانية في مرفأ بيروت، على ان تطال الادعاءات كل مسؤول ومقصر ومهمل تسبب بهذه الكارثة وفق اليات منطقية واثبتات قانونية تعتمد القوانين بعيداً عن الكيديات والحسابات السياسية، فالتوسع في التحقيقات ضرورة ملحة تستوجب كشف كل المتورطين في احضار المواد المتفجرة وتخزينها وصولا الى حصول الكارثة.
في المقابل، فاننا نحذر من المس بلقمة الفقراء ودوائهم بحجة ترشيد الانفاق، ونسأل الحريصين على هؤلاء الفقراء اين كان حرصكم عندنا وضعتم سلعا استهلاكية تصنف على انها كماليات في سلة الدعم الحكومي، واين حرصكم على المال العام في احتكار التجار للسلع المدعومة وبيعها خارج لبنان، واذا كنتم شفافيين وفوق الشبهات فلتعلنوا عن اسماء اللصوص الجدد من المحتكرين والفاسدين الذين يجنون الثروات على حساب تجويع الناس.
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ