المسيرة الوطنية في اليوم العالمي لحقوق الإنسان
لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول، وتحت شعار “معاً من أجل وطن يتسع لجميع أبنائه” نظم الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا ولجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان مسيرة جابت شوارع بيروت “تضامناً مع ضحايا الماضي والحاضر وتلافياً لوقوع ضحايا جدد في المستقبل”، شارك فيها نحو مئة وخمسين شخصًا من أهالي المخطوفين والمفقودين ومن الأشخاص المعوقين والناشطات والناشطين الحقوقيين. انطلقت المسيرة من منطقة الحمرا، ثم كانت لها وقفة أمام وزارة الداخلية واختتمت في ساحة رياض الصلح قبالة السراي الحكومي حيث تلي بيانا المنظمين.
رفع المشاركون في المسيرة لافتات منها “دولة القانون تبدأ بتطبيق قانون 220/2000 وقانون 105/2018. أوقفوا إجرام السلطة”، و”انصفوا معوقي انفجار المرفأ بمساواتهم بمعوقي الجيش اللبناني”. وتخللت المسيرة وقفة امام وزارة الداخلية والبلديات حيث دانت رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا سيلفانا اللقيس في كلمة لها هذه الوزارة، التي “تعاملت معنا على مبدأ الكذب، فالقانون 220/2000 يتضمن الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين، وقد قدمت حملة حقي التي ينظمها الاتحاد، منذ انتخابات 2005 مرورًا بالانتخابات الفرعية والبلدية في محطات 2007، 2009، 2010، 2016، و2018، جميع النماذج التي تسهل عملية الاقتراع على الناخبين المعوقين وكبار السن وتحفظ استقلاليتهم من الدعم التقني والإرشادات، لكن الأشخاص المعوقين لم يتلقوا من الوزارة سوى الوعود الكاذبة، فيما تتعامل الوزارة معهم وكأنهم ليسوا بشرًا ولا حقوق لهم”. وأشارت اللقيس إلى أن “الانتخابات هي الأساس وهي المحطة التي يصل فيها صوت المواطن لتطبيق الإصلاحات التي يحلم بها، وأن ما حدث في الانتخابات الأخيرة بحق الناخبين المعوقين جريمة”. وطالبت اللقيس بإعادة إعمار ما تهدم من بيروت في انفجار المرفأ وفق هندسة دامجة لا تستثني الأشخاص المعوقين وكبار السن، مؤكدة على دور وزير الداخلية في هذه العملية. وقالت: “نقدم الإنذار الأخير ونحن مستمرون، فـ 17 تشرين مستمرة، وهي العاصفة التي ستنظف البلد وستأتي بالحرية والمحبة”.
حلواني
واستمرت المسيرة وصولا إلى ساحة رياض الصلح، حيث تلت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان بيانًا جاء فيه: إن الأعمال الوحشية التي ارتُكبت خلال سنوات الحرب، بحقّ الآلاف من اللبنانيين وغير اللبنانيين المقيمين في لبنان لم يجرِ التعاملُ معها وعلاجُها بعد انتهاء الحرب. إنما حصل العكس، فتمّتْ إدارة الظهر لتلك الجرائم في محاولاتٍ حثيثة لطمسِها كأنها لم تحصل، كأن الحرب لم تقع. وجودنا هنا اليوم، أهالي المفقودين، وشركاؤنا في الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين جركيا، دليلٌ ساطعٌ على استقالةِ الدولة من مسؤولياتِها وتقاعسِها عن القيام بدورِها إزاء مواطنيها. إن النضالَ الدؤوب للجنة أهالي المخطوفين والمفقودين الذي بدأ خلال سنوات الحرب، واستمر في مرحلة ما بعد الحرب وحتى اليوم ، أثمر عن انتزاع قانون كرّس حقّنا بمعرفة مصير أحبائنا (2018). القانون/ الإنجاز دخل عامَه الثالث لكنه ما زال حبراً على ورق. أوّل مرسوم تطبيقي للقانون بتعيين أعضاء الهيئة الوطنية المستقلة للكشف عن مصير أحبائنا (المنصوص عنه في المادة (10) من القانون) صدر في شهر تموز الفائت. هلّلّنا له ولأعضاء الهيئة، ولو أنه جاء متأخرّا سنتين. اعتبرنا حينها أن الحكومة، وقبلها مجلس النواب وبمباركة من رئاسة الجمهورية، قد قد اقتنعوا، كلٌ من موقع مسؤوليته، بوجوب حل هذه القضية الإنسانية/الوطنية. ظننا أن إرادة مشتركة حلّت أخيراً بضرورة وضع حدٍّ لعذاباتنا وإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها. لكن للأسف، نحن لم نلمس أي تغيير مع تعيين أعضاء هذه الهيئة باستثناء رؤية هؤلاء، مرة واحدة، على شاشات التلفزيون خلال أدئهم قسَم اليمين أمام رئيس الجمهورية،. الحقيقة نحن لم نشعر ختى اليوم بوجود هذه الهيئة. لم نتلق أي اتصال من قبلها، لم نحظ بأي لقاء..لم نتعرّف على أعضائها، لم يُطلب منا تقديم أي معلومة…ولم يُسمعْ شيئٌ عنها أو عن عملها!
بالتأكيد، نحن لا نسوق هذه الكلمات لنسجّل تقصيراً بحق هذه الهيئة أو بحق أعضائها لاسيما وأن ممثلتين عنّا في عدادها. نحن لا نستخف بأهمية تشكيلها وقد انتظرنا ولادتها 38 عاما. إنها بالنسبة لنا بمثابة خشبة خلاص نتكمّش بها كي نخرج من زنزانة الانتظار الخانقة ودوّامة اللايقين المدمّرة. أما وقد ختم مرسوم التعيين شهره الخامس، وبعدنا “لاحس ولا خبر!”، ماذا يعني ذلك، وإلى متى المراوغة، عفوا المراوحة؟ لماذا صدر مرسوم تعيين أعضاء الهيئة دون استكمال كل ما يترتب على ذلك من إجراءات نصّ عليها القانون؟ إذا تجاوزنا مسألة عدم اكتمال عقدها، فإن القانون حدد لها مدة خمس سنوات للعمل غير قابلة للتجديد. كيف يمكن محاسبتها على عملها في حال لم تكمله، وهي حكماً لن تكمله ما دام يتبقى من عمرها ثلاث سنوات إذا احتسبنا بدء العمل منذ تاريخ اليوم لسريان مفعول القانون (نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 6/1/2019).
كيف تباشر الهيئة العمل بشكل طبيعي وهي لم تُعط مقرّاً خاصاً يتلاءم مع طبيعة المهام الكثيرة والمتشعّبة والدقيقة الملقاة على عاتقها. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: جمع المعلومات، تكوين الملفات المركزية المفقودين، الاستماع إلى أهالي الضحايا، إلى الشهود، إجراء التحقيقات…؟ كيف تتمكن الهيئة من تنفيذ عملها إذا لم تخصيص لها المساهمة المالية المستحقة المنصوص عنها في القانون؟ صحيح أن أعضاءها لا يتقاضون رواتب باستثناء الرئيس الذي اشتُرط عليه التفرغ مقابل الراتب؟ كيف للهيئة أن تمارس صلاحياتِها إن لجهة تشكيل لجان متخصصة، أو الاستعانة بخبراء، أو تشكيل جهاز إداري لمساعدتها…؟ كنا ننتظر من الحكومة تسهيل عمل الهيئة من دون المس باستقلاليتها، وإفساح المجال أمامها لممارسة كافة صلاحياتها، وإتاحة حصولها على أي معلومات تراها ضرورية لتقفّي أثار المفقودين، من جميع المصادر الرسمية وغير الرسمية داخل البلاد وخارجها، وإزالة كل العراقيل التي قد تعترضها في سياق أدائها لعملها. نحن لن نقبل بحل مجتزأ.. لن نقبل بشبه حل.. بوجود هيئة ممنوع عليها القيام كما يجب بالعمل الذي أنشأت من أجله. نحن لن نقف مكتوفي الأيدي أمام استمرار نهج التغاضّي عن تفعيل هذه الهيئة الوطنية، والسماح لها بمباشرة عملها بحجج واهية مكشوفة .. الحجّة الأكثر رواجاً هذه الأيام: أن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها استكمال تطبيق قانون الأشخاص المفقودين والمخفيين قسراً.. بربّكم، متى أصبح تطبيق القوانين إجراء مخالفاً يستوجب المحاسبة والعقوبة؟
للحكومة ولجميع أركان الدولة نقول: نحن لن نقبل بمزبد من التسويف والمماطلة. نحن لا نطلب منّةً منكم. نحن أصحاب حقوق نطالب بإعادتها إلينا..نحن نطالب باستكمال وحسن تنفيذ القانون دون أي تشويه أو اجتزاء ( 105/2018).. وقانون الأشخاص المعوّقين وسائر القوانين التي تعيد لكل صاحب حقٍ حقّه. لكم أقول، لكل فرد موجود معنا اليوم ولكل مَن لم يتمكن من مشاركتنا، أقول لجميع المواطنات والمواطنين أن ما نطالب به لا ينطلق من حسابات محصورة بفئات خاصة من مجتمعنا، عنيت أهالي المفقودين وشركاءنا المعوقين.. إننا نتحرّك من موقنا الإنساني والمواطني الذي ينبغي أن يرتد إيجاباً بنتائجه لصالح المجتمع برمته.
إيها الأحبة والأصدقاء، مفتاح الفرج بات بين أيدينا، أحدٌ لا يستطيعُ إعادتَنا إلى الوراء. فلنعمل معاً، يداً بيد، من أجل قيامة وطن ينعم أبناؤه بالحرية والمساواة والعدالة والسلام .. كلنا للوطن.
اللقيس
من جهتتها، تلت اللقيس كلمة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا، جاء فيها: ها قد أتيناك يا بيروت الجريحة، بيروت المظلومة بانفجار 4 آب، بيروت المنهكة بفساد زعماء السلم الذين هم أنفسهم مجرمو الحرب الأهلية، والذين لم يرف لهم جفن أمام مشهد الخراب والموت، أمام الجرحى الذين لم تلتئم جراحهم بعد، أمام جريمةٍ هم مرتكبوها. ها قد أتينا ليسمعنا كل الوطن، ونحن نمثل الفئات الأكثر تضررا وتهميشًا في هذا الوطن. نقول كلمتنا ولا نطالب زعماء فاسدين مفسدين.. وهل يطلب الضحايا من جلادهم عدالة أو رحمة! أتينا لنتضامن مع بنات وأبناء وطننا من ضحايا الماضي والحاضر، ولنقول إننا لا نريد أن يسقط ضحايا جددٌ في المستقبل.
فتح انفجار المرفأ في الرابع من آب جراحًا قديمة لدى فئة الأشخاص المعوقين، الذين كانوا ينتظرون أن يعاد الإعمار وفق بيئة دامجة تحترم حاجاتهم بعد كل كارثة حلت بالوطن، فلا احترمت حاجاتهم وحاجات كبار السن وغيرهم بعد الحرب الأهلية ولا بعد الاعتداءات والحروب الإسرائيلية المستمرة والانفجارات المتكررة، وها نحن اليوم أمام ثلث مباني مدينة بيروت يحتاج إلى إعادة إعمار أو ترميم، فيما يُحرم الأشخاص المعوقون من حق الوصول إلى الأماكن العامة. فماذا أنتم فاعلون؟ إن لم تتوفر التجهيزات الهندسية الملائمة سيكون الأشخاص المعوقون وكبار السن محرومين من حقهم في التنقل، ولن يعود النسيج الاجتماعي كما كان قبل الانفجار، وسيصير الناس رهائن مساكنهم، وستضرر الحياة الاجتماعية بشكل كبير. إعادة الإعمار لا تكون إلا باحترام التنوع، وبإشراك أصحاب القضية في كل ما يعنيهم من مراحل التخطيط والعمل ومراقبة نتيجة الورشة المزمع القيام بها لتعود بيروت لكل الناس.
الزعماء الفاسدون، يريدون لجرحى الرابع من آب الذين استجدت لديهم إعاقات أن ينضموا إلى طوابير ضحاياهم. فلم يشملوهم في القانون الذي مرروه في مجلس النواب بالتعويض والراتب والتقديمات، ولم يساووهم بجرحى الجيش اللبناني، المؤسسة التي نحترم، بل أوكلوا أمرهم إلى منظومة الفساد التي لم تطبق شيئًا يذكر من القانون 220/2000. هؤلاء الجرحى الذين نتابع حالاتهم في الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا هم ضحايا مباشرون لمنظومة الفساد، ولا نريد أن تُنسى جراحهم بل أن يُعوض عليهم ويحصلوا على التقديمات الصحية والاجتماعية الملائمة. على المشرّع اللبناني أن يعدل القانون فورًا وأن يضمهم إلى جرحى الجيش اللبناني، يكفينا مهازل استمرت لعشرين عاما!
إننا، نطلق صرخة الفئات المهمشة كلها، على أي خطة نهوض إستراتيجية أن تشمل حقوقنا، وأن تتمثل منظمات الأشخاص المعوقين وأهالي المفقودين والمخطوفين وأهالي الجرحى الذين استجدت لديهم إعاقات وجميع أصحاب القضايا المدنية الذين هدرت حقوقهم على مرّ العقود الثلاثة الأخيرة، في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والمراقبة. كفانا ضحايا، كفانا تهميشًا، فلنسعَ معًا إلى وطن يتسع لجميع أبنائه. عشتم، عاشت الحركة المطلبية الحقوقية، عاش لبنان.