برعاية السيدة كلودين عون رئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية ورئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، عقدت منظمة المرأة العربية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع دولة اليابان الجولة الأولى من حوار الشباب العربي-الياباني، افتراضياً بعنوان "دور الشباب في مكافحة الصور النمطية السلبية ضد المرأة في المجتمع" وبمشاركة أكثر من أربعين شابة وشاباً من الدول العربية ومن اليابان.
افتتحت د. فاديا كيوان المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية الحوار بكلمة ترحيبية، قالت فيها: "انطلاقا من اهتمام منظمة المرأة العربية بقضايا المرأة، أتت فكرة إقامة هذا حوار حول وضع المرأة، في اليابان وفي الدول العربية. ولا شك أننا سوف نلحظ أرضية مشتركة في هذا المجال، على الأقل في مجتمعاتنا التقليدية. لكننا في الوقت عينه يمكننا أن نكتشف من خلال حوارنا، عقليات ومقاربات جديدة بين الشباب في كل من اليابان والدول العربية، كون الشابات والشباب يرغبون عادة في المضي قدمًا، وفي رؤية مجتمعهم يتطور ويتقدم.
فنحن نؤمن بأن الشباب هم صانعو التغيير في مجتمعهم، وهم يشكلون جزءًا مهماً من هذه الثقافة العالمية للقيم الإنسانية التي تؤمن بالمساواة في الحقوق والفرص بين الرجال والنساء".
وبعد كلمة للسيدة سوزان ميخائيل المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، ألقت السيدة عون كلمة قالت فيها:" أيتها المشاركات وأيها المشاركون من اليابان ومن العالم العربي في الحوار حول الشباب وقضايا المرأة والأمن والسلام، يسعدني أن أشارككم، ولو عن بعد في افتتاح هذا الحوار الذي سوف تتناولون فيه مواضيع هي في صلب الحضارة التي ستساهمون في تكوينها في السنوات المقبلة.
أنتم الشابات والشباب مدعوون إلى بناء حضارة جديدة متناسقة مع الإمكانات العلمية والتقنية التي يتيحها لنا عالم اليوم، وقادرة على مواجهة التحديات المعاصرة. أنها حضارة جديدة سوف تكون منبثقة من ثقافاتنا المتنوعة والمتعددة ومع ذلك متميزة عنها. فهي لن تكون حضارة أمة أو شعب بل حضارة يعتبر كل إنسان أنها حضارته بالذات. وأنتن وأنتم المشاركون في هذا اللقاء الحواري الشبابي العربي- الياباني لكم أن تستخلصوا من نقاشاتكم مادة فكرية تستلهمون منها المبادئ والقيّم التي سوف تنمو بالاستناد إليها شخصيتكم، والتي سوف تؤثرون بواسطتها على بيئتكم وتساهمون من خلالها في بناء المستقبل.”
وتابعت: “سوف تتناولون في حواركم موضوع الصور النمطية السلبية ضد المرأة وتناقشون مقاربة الأمم المتحدة لموقع المرأة في الأمن والسلام، ومن خلال هذا التبادل الفكري الذي نأمل أن يكون من الممكن أن يستمر في وقت قريب، وجاهياً، سوف تتباحثون بالفعل في معالجة أحد أكثر المعوقات تكبيلاً لتطور المجتمعات. فلا العلم يكفي، ولا القدرة الاقتصادية تكفي ولا حتى القيادة السياسية تكفي لإيجاد مجتمع متطور وسليم، إذا ما ظل الرجال يستفيدون فيه من القدرات العلمية والاقتصادية والسياسية بمعزل عن النساء. إن معالجة مسألة تخلف النساء عن المشاركة في مسار النمو الاقتصادي- الاجتماعي هي من أكثر المعالجات الاجتماعية صعوبة إذ تتطلب أولاً معرفة دقيقة بالمعطيات الموضوعية للواقع المعاش كما تتطلب رصداً للممارسات الفعلية، في العلاقات القائمة بين الرجال والنساء ومن ثم تحديداً للعوامل المؤثرة فيها. ومن المعلوم أن الصور التي يكونها المجتمع عن أي موضوع كان، تؤثر بشكل مباشر على الذهنيات ومن هذه الصور، تلك المكونة لديه عن الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها كل من الرجل والمرأة. وغالباً ما تردد وسائل التناقل الثقافي الشفهية والمكتوبة والمرئية والمسموعة، تربوية أو تعليمية كانت، او أدبية أو فنية، صوراً للأدوار الاجتماعية، تكونت في العصور الغابرة في مجتمعات كانت فيها وسائل الإنتاج الاقتصادية والعمل، كما الروابط الاجتماعية والسياسية، ناهيك بوسائل المواصلات والاتصالات، مختلفة كل الاختلاف عما هي عليه اليوم. وهذا التكرار لتصورات أنتجتها بشكل تراكمي أنماط غابرة من العلاقات الاجتماعية والسياسية، يزيد من ترسيخها في أذهان النساء والرجال المعاصرين على الرغم من بعدها عن الواقع. ومن هذا الشرخ بين الصورة المتوارثة عن أدوار الرجال وأدوار النساء في مجتمعاتهم، وبين واقع الحال المعاش، تتولد التوترات في العلاقات التي قد تصل إلى حدود التخاصم.”
وأضافت:” فإحدى الصور النمطية التي لا زالت تتناقلها أجيالنا المعاصرة تصور مثلاً، المرأة على أنها السيدة الأنيقة التي ترتاح في منزلها فيما يعمل زوجها في الخارج كي تكون مكتفية في حياتها لكونها غير قادرة على كسب معيشتها وغير لائق لها أن تتعامل مع الغير. هذه الصورة إلى كونها مخيبة للنساء عندما تقارن بالواقع المعاش، هي ظالمة أيضاً للرجل الذي يتولد لديه، في أكثر من الحالات، شعور بالعجز لعدم قدرته على قيامه بواجب مفترض يقضي بأن يؤمن بمفرده الرفاهية لزوجته وأسرته.
وفي الوقت عينه تظلم هذه الصورة المرأة لكونها تعتبر انها قاصرة وأنه لا يجوز لها اجتماعياً أن تكون على تواصل في علاقات عمل مع الغير.
مثل آخر لصورة نمطية مؤذية للرجل كما للمرأة هي تلك التي بموجبها لا ينبغي للرجل أن يكون له دوراً في رعاية أفراد العائلة المسنين او المرضى أو المعوقيِّن، او تربية الأولاد، أو في تدبير شؤون المنزل، بموجب هذا التصور يُحرم الرجل من تطوير مواهب وقدرات رعائية قد تختزنها شخصيته كما يحرم من متابعة نمو شخصية بناته وأبنائه عن كسب كما يتم حرمانه من التعبير عن الحنان الذي يكنه لوالديه عند تقدمهم بالسن. وبالتوازي تُحرم المرأة من مساعدة غالباً ما تكون ضرورية لها في توجيه شؤون الأسرة والمنزل وفي إتاحتها لها القيام بعمل خارج نطاق العائلة.”
وتوجّهت إلى الشابات والشباب المشاركين وقالت:” إنكم في اليابان كما في العالم العربي ورثةٌ لثقافات عريقة والتكريم الأجدى الذي يمكن أن تقدموه لأعلام هذه الثقافات هو أن تواصلوا المسار الذي بادروا إلى سلوكه في تعميق المعرفة انطلاقاً من الواقع المعاش وليس استناداً إلى صور ومقولات يتم تناقلها كالببغاء من غير فهم. فالقناعات السليمة التي لها أن توجه حياتنا في عالم اليوم، الذي تتوفر فيه المعلومة آنياً عن كل ما يخطر في البال، هي تلك التي تكونها ذاتياً وتعيش بموجبها. وهذه القناعات المطورة ذاتياً تتيح لنا تخطي الصور والأفكار المغلوطة عن أدوار النساء والرجال في المجتمع وتتيح لنا تحقيق الاتزان في شخصياتنا والانسجام مع متطلبات العالم المعاصر.”
واعتبرت أن “أول ما يتميز به عالم اليوم هو مواجهتنا فيه لأخطار مشتركة من غير الممكن تخطيها بدون تعاون يقوم بين شعوب ودول قد تكون متباعدة جغرافياً وثقافياً. ومثل هذا التعاون قد يبدو أحياناً الزامياً وليس فقط اختيارياً، في مواجهة الاخطار البيئية والمناخية والتهديدات الإرهابية مثلاً. وأول شروط قيام مثل هذا التعاون هو توفر السلام والامن. ونحن نعلم أن السلام لا يتوفر تلقائياً لا في العلاقات الإنسانية الفردية ولا في العلاقات بين الشعوب. فالسلام يُبنى ويتم التحضير لإرساء قواعده ووضع استراتجيات ترسيخه ويخطط له كما للحروب. ومن القواعد التي من غير الممكن تخطيها لبناء سلام مستدام بين الشعوب، ضرورة أن تكون الحلول الذي يتم التوافق حولها عادلة. وهذه العدالة تفترض أن توافق المجتمعات التي تطور الحلول، بين النساء والرجال في اتخاذ القرارات المصيرية في السلم وفي الحرب وفي التوصل إلى الحلول وفي الاستفادة من أعمال الإغاثة والإنعاش بعد انتهاء العمال الحربية. لذا فإن العمل على تجنب وقوع النزاعات، والتوصل إلى حلها عندما تقع، وإلى سلام مستدام عندما تنتهي، يتطلب ألا تكون المجتمعات البشرية متجاهلة لدور العنصر النسائي في اتخاذ القرارات وألا تكون سائدة فيها معتقدات بالية وصور مغلوطة، يتم تناقلها بدون تفكير، تأسر النساء في أدوار منزلية ورعائية ضيقة المجال.
هذه هي الاعتبارات التي انطلق منها مجلس الأمن للأمم المتحدة في اتخاذ قراراته المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن وأولها القرار الرقم 1325 مع الإشارة إلى ان المسؤولية الأساسية لمجلس الأمن في منظومة الأمم المتحدة، هي حفظ السلام والأمن والدوليين.”
وختمت:” أيتها الآنسات والسيدات وأيها السادة المشاركات والمشاركون في الحوار، إنني أدعوكم إلى بذل الجهود لتنمية شخصيتكم وتكوين قناعاتكم بأنفسكم وذلك عبر توسيع مجالات ثقافتكم وتعميق معرفتكم بانفتاحكم على كل ما تفترضه ثقافة المساواة بين الجنسين وكل ما تتضمنه من إثراء لشخصياتكم أنتم نساء ورجال أجيالنا المقبلة.
واود أيضاً أن أعرب عن تقديري وامتناني لأصحاب المبادرة في تنظيم هذا الحوار، منظمة المرأة العربية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة والحكومة اليابانية، عسى أن تكون هذه التجربة مثلاً يحتذى به لدى الشابات والشباب في بلداننا العربية وفي جميع أنحاء العالم.”
وبعدها أدارت الحوار بين الشابات والشباب المشاركين من الدول العربية واليابان، الإعلامية المغربية عزيزة نايت سي باها، فناقش المشاركون والمشاركات على مدار جلستين متتاليتين الأدوار التقليدية الموكلة للمرأة في مجتمعهم ودورهم في تغيير صورة المرأة التقليدية، كما دور وسائل التواصل الاجتماعي في مكافحة التمييز وعدم المساواة بين الجنسين في المجتمعات.
وعرض السيد نوكي ماساكي سفير اليابان لدى مصر الملاحظات الختامية للقاء