قانون الانتخاب في لبنان يطرح بتوقيته لدى البعض اكثر من تساؤل فهل يؤسس لمرحلة جديدة ام انه سيراكم الازمة الخلافية حوله.
ثمة علامة استفهام تطرح حول بروز قانون الانتخاب الى الضوء فيعود من جديد قانون الانتخاب مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة للجان المشتركة، اليوم ، لاستكمال البحث في مشاريع القوانين المطروحة، وعلى رأسها اقتراح القانون المقدّم من كتلته النيابية، والقائم على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي.ويقول الكاتب السياسي حسين عاصي مع أنّها ليست المرّة الأولى التي يحرّك فيها نبيه بري ملفّ قانون الانتخاب، بعدما طيّرت “الميثاقية” جلسةً للجان المشتركة كانت مخصّصة لبحثه أيضاً، فإنّ الخطوة طرحت الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً أنّ بري “تحسّب” لفقدان النصاب، فأرفق الدعوة بدعوةٍ أخرى لاجتماع اللجان في اليوم نفسه، وبثلث الأعضاء فقط.
ولعلّ ما أثار “ريبة” كثيرين أنّ “استعجال” بري للبحث في قانون الانتخاب يأتي في وقتٍ تعيش فيه البلاد لحظةً “حَرِجة” لا تتربّع الانتخابات على “صدارة” اهتماماتها، في ظلّ التخبط الحاصل على خطّ تأليف الحكومة ، وسقوط المبادرة الفرنسية، و الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، والتي جاء “تطيير” التدقيق الجنائي ليزيد طينها بلّة، إن جاز التعبير. وترى مصادر مطلعة انه إذا كان قانون الانتخاب من الملفّات المطروحة للنقاش دوماً، خصوصاً في ضوء “قناعة راسخة” لدى شريحة واسعة من اللبنانيين بأنّ القانون الأخير لم يحقّق الغايات المرجوّة منه، وجاءت نتائجه مخيّبة للآمال، فإنّ دعوة بري إلى البحث في قانون الانتخاب اليوم تثير، على ما يبدو، “ريبة” الكثير من القوى السياسية، ولا سيّما المسيحيّة منها.
ويشير المعترضون إلى أنّ “الريبة” هي باعتبار ان البحث في قانون الانتخاب، انطلاقاً من الاقتراح لن يؤدي سوى إلى خلق “مشكلة” جديدة في البلاد، في ظلّ “الفيتو” الذي يصطدم به، مذهبياً وطائفياً بالحدّ الأدنى، إن لم يكن “وطنياً” أيضاً،وفي وقتٍ لدى اللبنانيين ما يكفيهم أصلاً من “ويلات” نتيجة الواقع السياسيّ الكارثيّ الذي أنتجته الطبقة السياسية الحالية، والذي وصل إلى “ذروته” مع انفجار الرابع من آب
ويقول هؤلاء إنّه كان الأوْلى بالمجلس النيابي ، منح الأولوية للتشريعات والقوانين التي يحتاج إليها أيّ مشروعٍ إنقاذيّ حقيقيّ، والتي نصّت عليها المبادرة الفرنسيّة صراحةً، ولا سيما ما يتعلق منها بالشأن الاقتصادي والمالي، أو بالحدّ الأدنى، تلك التي “تحصّن” التدقيق الجنائي .
أما التركيز على قانون الانتخاب، رغم كلّ الظروف التي يعيشها اللبنانيون ، فلا تفسير له لدى هؤلاء سوى من زاويتين، أولهما أنّه “قفز إلى الأمام”، ومضيّ في “التحدّي” حتى الرمق الأخير، وثانيهما أنّه مجرّد “مناورة” استباقاً لسيناريوهات بدأ الإعداد لها في بعض الكواليس.
لكن، في مقابل وجهة النظر هذه، ثمّة وجهة نظر أخرى يعبّر عنها المؤيّدون لطرح بري، والذين يدعون إلى “الفصل بين السلطات”، فإذا كانت الحكومة مثلاً يجب أن تتمتّع بالصدارة، وأن يتقدّم تأليفها على سواه من الملفات، فإنّ ذلك لا ينبغي أن يعني “تجميد” كلّ الملفات والاستحقاقات الأخرى، بانتظار “معجزة” قد لا تتحقّق، أو ريثما “يهبط الوحي” على المعنيّين بالتأليف، فيقتنعون بوجوب تقديم “التنازلات المتبادلة” حتى تبصر الحكومة النور.
ويستغرب هؤلاء الحديث عن “مؤامرة” أو “مناورة” وما سوى ذلك خلف الدعوة إلى جلسةٍ نيابيّةٍ تتولى “البحث” في ملفٍ ما، أياً كان، علماً أنّ “البحث” يعني، ضمن ما يعنيه، فتح باب “الحوار” بين مختلف المكوّنات، لا “إلزام” أيّ طرفٍ بما لا يريده، علماً أنّ التجربة أثبتت أنّ أحداً لا يستطيع “فرض” أيّ قانونٍ أو قرار، فكيف إذا كان بحجم قانون الانتخاب، الذي يذكر اللبنانيون جيّداً كم تطلّب من الوقت والجهد حتى يحصل التفاهم بشأنه.
أما الحديث عن توقيت “مريب”، فيحيل هؤلاء أصحابه إلى ما كانوا سيقولونه أنفسهم، لو أنّ رئيس مجلس النواب انتظر حتى ما قبل موعد الانتخابات المقبلة ليفتح الملف، وعندها كانت الكثير من الأصوات، وهي نفسها المعترضة اليوم على فتح الملف للمفارقة، لتعترض على “المماطلة” في بحث ملفٍّ حسّاسٍ بهذا الحجم، وللقول إنّ قانون الانتخاب لا يمكن أن يُقَرّ “تحت الضغط”، وبين ليلةٍ وضُحاها، وهو ما سيشرّع باب “التمديد” الذي يحذّر منه المتوجّسون أنفسهم، ولو تحت ستارٍ “تقنيّ”.
وإذا كان عددٌ من المعترضين يتمسّكون بقانون الانتخاب الحالي، باعتبار أنّ تجربة انتخابيّة واحدة لا تكفي للحكم عليه، وإنّ المطلوب أن يُجرَّب من جديد قبل البحث في إمكان تغييره، علماً أنّ “العهد” سبق أن وضعه مثلاً في سجلّ “الإنجازات”، فإنّ هذا الموقف لا يبدو “موحَّداً” بين المعترضين، إذ إنّ بين المطالبين بانتخابات مبكرة حتى من يريد أن تحصل هذه الانتخابات بموجب قانون جديد، على غرار حزب “الكتائب”، علماً أنّ معظم الخبراء الانتخابيين أجمعوا أصلاً على أنّ القانون الحالي لا يوفّر عدالة التمثيل المطلوبة، ويفتقد إلى الكثير من الإصلاحات الأساسيّة والجوهريّة.
وتتابع المصادر: مع دعوة برّي لجلسة اليوم، استذكر كثيرون مقولة “مؤامرة قانون الانتخاب” التي قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إنّ حزبه “أسقطها”، مع “تطيير” جلسة اللجان المشتركة التي كانت مخصّصة للبحث بقوانين الانتخاب قبل أسابيع، بالتكافل والتضامن مع ” التيار الوطني الحر “.
قد يتكرّر السيناريو هذه المرّة أيضاً، في ضوء “تقاطع” يبدو مستمرّاً على التصدّي لاقتراح برّي حول قانون الانتخاب، بين “القوات” و”الوطني الحر”، رغم اتساع رقعة الخلافات بينهما، وفي ظلّ اعتبار الكثير من المسيحيّين اقتراح “الدائرة الواحدة” بمثابة “انقلاب”، انطلاقاً ممّا يعتبرونها “حساسيّات ديموغرافيّة”.
ووسط هذا السجال القديم-الجديد، الأكيد أنّ مصلحة اللبنانيّين هي مجدّداً “آخر همّ” المسؤولين، فلا من “يفتعل” النقاش حول قانون الانتخاب اليوم يسعى فعلاً وراء تأمين عدالة التمثيل، بعدما لعب دوراً أساسياً في “ابتداع” القانون الحاليّ “المفصَّل” على قياسه، ولا المعترضون يبحثون عن “مصلحة” غير تأمين “حصّتهم”.
وإذا كان الأوْلى الذهاب سريعاً لتأليف حكومة تتصدّى، فعلاً لا قولاً، للمهام الإنقاذية المطلوبة، فإنّ على اللبنانيين “الاستعداد” لكلّ السيناريوهات. تختم المصادر.