توجَّه فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- بخالص الشكر لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته المؤتمر العالمي السابع للإفتاء حول الفتوى والتنمية المستدامة التي انتهت فعالياته الثلاثاء الماضي بحضور وفود من العلماء والمفتين من 91 دولة.
وأضاف فضيلته أن هذه الرعاية تضفي قوة على المؤتمر وتجعله يؤتي ثماره منذ أن وضعنا هذا العنوان، مشيرًا إلى أن الحضور في هذا المؤتمر كان مفصحًا عن الإقبال الكبير على مصر أولًا، فعندما نقرأ ونتأمل الحضور من مختلف بلدان العالم نرى أن هذه رسالة قوية بأن مصر هي محط الأنظار وعلينا أن نعمل جميعًا لتحقيق هذا المعنى.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج “نظرة” على قناة صدى البلد الفضائية، حيث أوضح فضيلة المفتي أن التنمية المستدامة عنصر أساسي من عناصر تكوين الشخصية المسلمة، وأن القرآن الكريم والتوجيه الإلهي يشير لذلك في العديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، أي طلب منكم أن تعمروا هذه الأرض، وكذلك في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً).
وأشار فضيلته إلى أن الخلافة الحقيقية في الأرض لا تتحقق إلا بالعلم في كافة مجالاته وترجمة هذا العلم هي العمران والبناء والتنمية، وهو ما بينته الآية الكريم التالية: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)، ولذلك فكل أمة تقدمت لم تتقدم إلا بالعلم.
وقال فضيلته: إن مؤتمر الإفتاء حول “الفتوى وأهداف التنمية المستدامة” أردنا من خلاله أن نكشف عن العلاقة بين الفتوى والتنمية التي هي عنوان للإسلام بكافة عناصرها الاقتصادية والبيئية وغيرهما، وهي مركوزة في الفقه والضمير الإسلامي بعمق.
وأضاف أننا عندما بحثنا في هذا الأمر وجدنا جهودًا كثيرة عالجت الأهداف ال 17 التي وضعتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من أهداف تتعلق بالقضاء على الفقر أو حماية البيئة أو مواجهة التغيرات المناخية، فنجد أن السعي لتحقيق هذه الأهداف يستند إلى نصوص شرعية، وإذا عرضناها على دلالات النصوص الشرعية نجدها تنادي بهذه الأمور.
وأوضح فضيلة المفتي أن المؤتمر سعى إلى أن يجعل الفتوى تتحرك في منطقة البناء والعمران والتنمية وليس الإثارة وزعزعة استقرار المجتمع والأمور التي قُتلت بحثًا، فسعينا إلى أن نبحث في مسألة التنمية التي تفيد الناس وتحقق مصالح المواطنين، فالفتوى تتحرك في منطقة البناء والعطاء وخدمة البشر بشكل يعتمد على العلم والبحث.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هذا المؤتمر فرصة كبيرة لتقارب وتلاقح الأفكار والمناهج العلمية المختلفة، فعندما نتلاقى تقترب المنهجية وآليات إصدار الفتوى ويحدث تقارب في العقول بدلًا من الانعزال، وحينها يحدث تبادل للخبرات وتلاقح للأفكار وتبادل للمناهج الإفتائية التي تصب في مصلحة صناعة الإفتاء الذي يؤدي إلى استقرار المجتمعات، فنقدم بذلك للعالم رسالة بأننا نريد البناء والنفع للبشرية جمعاء.
وأضاف قائلًا: “عندما فكرنا في إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لتكون مظلة جامعة للمؤسسات والهيئات الإفتائية على مستوى العالم، قصدنا أن تكون هناك مساحة موجودة يقترب فيها العقل الإفتائي في بحث القضايا مع العقل الإفتائي الآخر والوصول لمنهجية، ولم يكن المقصود منها إلغاء الخصوصيات لكل مجتمع ولكل هيئة إفتائية”.
وتعجب فضيلة المفتي من وجود سيل من الفتاوى في الفضاء الإلكتروني من أناس غير متخصصين يصرون على نوع من الفتاوى تشغل الأذهان ولا تفيد في تنمية الإنسان، ولا ينبغي أن تكون هي كل ما يشغل ذهن المسلم.
وأكد أن الفتوى صنعة، وهو تعبير بعض فقهاء المالكية قديمًا، فهم يعتبرون أن من يمارس هذه المهمة الشريفة يجب أن يكون مؤهلًا تأهيلًا علميًّا كبيرًا في كيفية التعامل مع الأدلة الشرعية ثم تنزيلها على أرض الواقع، وهذا يتطلب أن يكون المفتي مدركًا لهذا الواقع وقد يحتاج في بعض الأحيان إلى أن يسأل بعض المتخصصين من رجال الاقتصاد أو الطب أو الاجتماع وغيرها في مسائل معينة حتى يتبصر المسألة التي يُسأل فيها.
ولفت فضيلته النظر إلى أن المسائل الطبية في الأساس مرجعها إلى الأطباء والفتوى متوقفة في توصيفها على رأي الأطباء، مؤكدًا أنه ليس عيبًا أن يقول المفتي “لا أعلم” فالإمام مالك عُرضت عليه 40 مسألة فأجاب في 36 منها بـ “لا أعلم”.
وشدد على أن المسئولية أمر أساسي في الفتوى، فلا يمكن أن نصدر الحكم الشرعي إلا على أساس صحيح حتى نصل إلى الحكم وفق منهجية منضبطة، فالفتوى دائمًا مع تحمل المسئولية.
وأوضح أنه من الممكن أن يحدث المفتي من فتواه إذا ما تغير الواقع من حوله لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، ولكن تظل الفتوى القديمة التي أصدرها وفق مقدمات عصرها في حيزها.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا إلى ثقافة العمران والبناء والتنمية عندما قال لنا: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، وهذا يدل على أننا يجب أن نعمل حتى ولو لم نر نحن الثمرة.
وأضاف فضيلته: “وفقنا الله بأن يكون هذا المؤتمر تمهيدًا لقمة المناخ التي تستضيفها مصر، وقد عملنا على إصدار أول وثيقة إفتائية لمواجهة التغيرات المناخية”.
وأكد فضيلة المفتي أن الفتوى يجب أن تكون متواكبة مع العلم، وأن تقف جنبًا إلى جنب مع ما انتهى إليه العلم، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية لديها فتاوى كثيرة تتناغم مع أهداف التنمية المستدامة والعمران، فالفتوى قد تدعم المقاصد التنموية.
وقال فضيلة المفتي: “يجب أن تدعم الفتوى الاستقرار المجتمعي والمصالح العامة للناس، وهو ما قرره الإمام الشاطبي الذي قال إن الشريعة جاءت لدفع المفسدة وتحقيق المصلحة، لذلك يجب أن تكون الفتوى متناغمة مع تحقيق المصلحة ودفع المفسدة”.
وأضاف فضيلته: “الدولة لم تقف عند حدود البناء المادي فحسب، ولكن كذلك بناء الإنسان وتنميته وتطويره، وعندما نجد هذا الإصرار وسط التحديات الكبيرة التي نواجهها لا يسعنا إلا أن نقف إلى جانب الدولة وندعم التنمية المستدامة وهو جزء من التكوين الشرعي للإنسان الذي حث الإنسان على العمران”.
وأشار إلى أن المجموعات الإرهابية سوقت لفكرة أن الوقوف ضد ولاة الأمور من الشجاعة والوقوف مع الحق، على الرغم من أن الحديث الشريف للنبي يأخذنا إلى غير ذلك ويقول: اسمعوا وأطيعوا.
وتابع فضيلة المفتي: “أرى أن الدولة المصرية تتخذ خطوات جادة في كثير من الملفات المتنوعة والمتكاملة، وماضية بعزم في تحقيق التنمية والعمران، وهذا يحتم علينا الوقوف معها من أجل صلاح البلاد والعباد”.