وجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة في الذكرى السنوية الأربعة الأربعين لتغييب سماحة الامام السيد موسى الصدر واخويه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدين قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين أفضل الصلوات على سيد المرسلين سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أربعٌ وأربعون عاماً وما زال المجرمون يستنكفون عن الإفصاح عن جريمتهم النكراء باختطاف سماحة الامام السيد موسى الصدر واخويه الشيخ محمد يعقوب والإعلامي عباس بدر الدين.
أربعٌ وأربعون عاماً سيدي يا أبا صدري مضى على ارتكابهم جريمة اختطافكم من ساحة جهادكم ومن بين محبيكم وأبنائكم.
أربع أربعون عاماً علّك تُنسى، وتُغيّب طلتك البهية عن أسماع وأبصار الذين لبّوا نداءك وهبّوا لنصرة مشروعك، مشروع الإصلاح ، اصلاح النظام من الفساد والفئوية والطائفية، وتطهير الأفكار من لوثة الفساد والافساد والمفسدين، وتطهير القلوب من لوثة الفرقة والحقد والعنصرية المتسربة من لوثة الوجود العنصري للكيان الإسرائيلي ، البذرة الفاسدة لحضارة الكذب والفساد المادي المتوحش التي كادت تقضي على كل القيم الإنسانية والحضارية المرتبطة بقيم السماء قبل أن تشكّل خطرا على الوجود الإنساني كله.
أربع وأربعون عاماً وأنت ما زلت حاضراً تشرق شمس حضورك في وجودنا، ما زلت ملأ السمع والبصر، تبعث فينا الايمان والأمل بأن قوة الحق أقوى من كل قوى الباطل وأن الحق سينتصر مهما ضؤلت إمكاناته وأن الباطل مهزوم مهما كبرت أدواته، وأنه لا مجال لليأس في حياة المؤمنين طالما اتصلت ارادتهم بإرادة الحق لأن القوة لله جميعاً.
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
لأن هذا القليل أيّها الامام من النبت الذي زرعته، سمّيت عليه باسم الله وزرعته حين زرعته، باسم الله كبُر ونما لأن ما كان لله ينمو، ولذلك أينع بركات عظيمة وثمار كريمة بما يليق بكرامة الايمان وبكرامة المؤمنين عند الله تعالى.
لأنك لم تكن عنصرياً ولا طائفياً ولا فئوياً، لم تكن إلا مؤمناً بكرامة الانسان، ولم تكن إلا محباً للناس، ولم تعمل إلا لخدمة الانسان، ولذلك قمت على النقيض من الآخرين الذين اعتادوا نفثّ نار الحقد والكرهية والبغضاء نحو المختلف عنهم، فلم يتحملوا وجودك وتآمروا عليك ليتخلصوا من مشروعك ومن أفكارك وأحلامك فخسئوا وكبُرت وفشلوا وانتصرت وما زالت كلماتك: ” إسرائيل شرّ مطلق” تبعث الوعي في نفوس ابنائك واندفاعاً لمواجهة العدو لا يُبارى، فتحرر لبنان جنوباً وبقاعاً من قوى الشر الصهيوني واذنابه وقوى الشر التكفيري وصانعيه ويقف لبنان شامخاً رادعاً لفجور العدو وبهلواناته بعد أن هشّمت المقاومة التي زَرَعتَ قواه فخارت وغدا صاغراً أمام تحديها لتخليص ثرواته يستجدي إمهاله بعض الوقت علّه يخلص من الاحراج الذي وقع فريسته في معركته الداخلية.
لقد ذهبتم أيها المجرمون بعارها وشنارها وفضحكم الصبح الذي حاولتم إطالة ليله حين اطمأنيتم الى أن الليل طويل وأن الصبح غير قادم ولكن الفجر طلع على غير ما تحبون والشمس أشرقت على غير ما تتوقعون فتباً لكم وترحاً حين استصرختم الصدر الى ليبيا والهين ليجمع شمل العرب الذي بدّده الخونة عدوتم عليه خاطفين، فقد أخزى الله المتآمرين وانتصر ابن الحسين وقُبِر يزيد العصر معمر القذافي ومن لفّ لفّه ممن اقتاتوا على فتات مائدته القذرة بالمال الحرام والاعلام الحرام والدم الحرام خيانة لله ولرسوله ولقضايا العرب الاحرار في لبنان وفلسطين والشام، وما زالت الايادي الآثمة والمتآمرة غير معتبرة بما جرى تسير على نفس النهج الظلامي والظالم في التستّر على قضية الامام الصدر واخويه وعدم التعاون لتحريره ورفع هذه الظلامة عن هذا البطل الحسيني العروبي الذي لم تمنعه التهديدات أن يمضي في طريق تحرير القدس والدفاع عن الشعب الفلسطيني وتوجيه بوصلة اللبنانيين والعرب نحوها، بدلاً عن اختراع قضايا بديلة ليست بقضاياهم وأعداء بدلاء هم اصدق الاصدقاء.
كان الأمل بعد سقوط نظام المقبور القذافي أن يعمل النظام الليبي الجديد على حلّ هذه المسألة وكشف حقيقتها والتعاون مع البعثة القضائية اللبنانية ولكن لم نرَ حتى الآن شيئاً من ذلك رغم توفر الامكانية بعد أن وقع أركان النظام البائد في يد السلطة الجديدة، ونحن ما زال لدينا الأمل أن يصار الى التعامل الجدّي مع هذه المسألة التي لن ننساها كما لم ننس الامام الحسين (ع)، فالصدر واخويه في قلوبنا وعيوننا ولن نتركهم غرباء بأيدي السجّانين في ليبيا، كما لم نترك مشروع الامام الإصلاحي للنظام في لبنان الذي لا بدّ قطافه آتٍ قريباً، كما أثمرت مقاومته تحريراً وعزة وكرامة للبنان واللبنانيين، إذ لم تستطع كل المؤامرات أن تُفلح في ثني المقاومة عن متابعة مسيرتها بتجاوزها لكل الافخاخ التي زُرعت في طريقها لإدخالها في صراعات داخلية منعاً من الاستمرار في مشروع التحرير.
وليعتبر الجميع من هذه التجربة وليخرجوا من هذه الصراعات التي لم تحقق إلا المزيد من الآلام للبنانيين باختصار الطريق والاستماع الى صوت العقل والضمير بإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتأليف حكومة جديدة تخفّف من الآم اللبنانيين وعذاباتهم وإنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعيداً عن الحسابات الشخصية والطائفية والحزبية التي أدخلت لبنان في هذه الدوامة القاتلة.
وانطلاقاً من رؤية الامام الصدر الوحدوية لتعزيز منعة الامة العربية والإسلامية في مواجهة التحديات والمؤامرات، نناشد أهلنا واخوتنا في العراق الاحتكام الى العقل والدين وعدم الانجرار الى الفتنة التي يمقتها الله تعالى ورسوله (ص)، والتي اذ اندلعت لاسمح الله فإنها لا تبقي ولا تذر، ونطالبهم بالعودة الى الحوار و القانون الدستور للخروج من حالة الانسداد السياسي، والتزام توجيهات المرجعية الدينية الرشيدة التي تشكل ضمانة لحفظ العراق وشعبه.
السلام عليك يا أبا صدري، سيبقى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على نهجك وفكرك يقتدي بتوجيهاتك يستلهم من مواقفك ورؤيتك ما يصلح حال الوطن والأمة.