قام رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بزيارته الرسمية الأولى الى بلدة حوش حالا منذ توليته على الأبرشية.
وكان في استقبال سيادته كاهن الرعية الأب اومير عبيدي، كاهن رعية القديس اندراوس للروم الأرثوذكس الإيكونومس جورج العازار، رئيس بلدية رياق-حوش حالا جان ندره معكرون، السفير السابق جان معكرون، رئيس اقليم كاريتاس البقاع الشرقي روكز فليحان على رأس وفد من الإقليم، اخوية سيدة البشارة، شبيبة الرعية وحشد من المؤمنين.
وترأس سيادته في كنيسة سيدة الإنتقال رتبة جناز السيدة العذراء، والقى كلمة جاء فيها:
” كل عيد وانتم بألف خير . هذا العيد يعني لي الكثير لأنه في مطلع الشباب عندما كنت اكليركياً في دير المخلص سنة 1979 البسونا الثوب الرهباني وبعدها بستة أشهر انتقلنا الى دير الإبتداء وهو دير على اسم السيدة العذراء، سيدة النياح، سيدة الإنتقال. دير السيدة كان فوق مجرى نهر الأولي، وكنا نسمع صوت المياه في المساء والليل، وعشنا مدة 12 شهراً في الطبيعة الرائعة جداً في وادي بسري بالقرب من دير المخلص. وفي 15 آب 1980 وانا في عمر الثامنة عشرة وضعنا ايدينا على الإنجيل المقدس ونذرنا النذور الرهبانية الثلاث : العفة والفقر والطاعة، من اجل الحياة مع المسيح. وتعلمنا ان الحياة لأي مسيحي يجب ان تكون حياة مكرّسة بنوع من التكرس، ان كان في الحياة الرهبانية او الكهنوتية ام في الحياة العلمانية أم في الأبوة او الأمومة او الأخوة او الصداقة او كل انواع الحياة تحتاج الى تكرّس.”
واضاف ” الإنسان يكرّس ذاته لعمله، لوطنه، لمبادئه، لفضائله، للعقيدة التي اليها ينتمي، فالتكرّس هو نعمة كبيرة أورثتنا اياها العذراء مريم عندما كنا في احضانها في دير السيدة مدة 12 شهراً. ولا نزال في احضان العذراء حتى يومنا هذا بالرغم من كل الصعاب. بالأمس كان لدينا ريسيتال رائع جداً في الفرزل، جوقتين رائعتين قدمتا ساعة ونصف من الترانيم البيزنطية الأصيلة من أجل اكرام والدة الإله مريم التي انتقلت عنا بالنفس والجسد لكي تكون في السماء التي اليها تنتمي من قبل ان تكون في هذا العالم ومن قبل كل الخليقة والأجيال. اختارها الله من البدء، من الأزل، لكي تكون اماً لإبنه المتجسد، لإبنه الوحيد يسوع المسيح. كيف اختارها الله من قبل ان تخلق؟ الله هو الحاضر الدائم،هو يعلم ما حصل وما يحصل وما سيحصل لكل الخليقة ولكل تفاصيل الخلق ولكل الخلائق. ونحن جزء من هذه الخليقة، الله يدير حياتنا، واوقات نزرع في فكرنا ان : ” الأمر لي” . الأمر لله وحده وهو الذي يستطيع أن يأخذ ما اعطانا اياه في اي لحظة .”
وتابع سيادته ” كم انا سعيد بضجة الأطفال الموجودة في الكنيسة لأن الكنيسة ليست جماداً. والكنيسة الجماد لا تعكس ما نحتفل به اليوم من مجد العذراء، من مجد الكنيسة، الكنيسة التي اذا ما تعرضت لمخاطر تحرسها العذراء، ويتدخل الله بشخص يسوع المسيح ويكون مخلصاً لنا كما كان على الدوام.
بالأمس قرأ احد الكهنة تأملاً من سفر الرؤية للقديس يوحنا كيف ان العذراء الملتحفة بالشمس والممجدة تعرضت وهي رمز الكنيسة للخطر عندما وقف امامها التنين وجرى النهر المتدفق الذي تدفق باتجاهها وكأنه يريد ان يبتلعها ويبتلع كل ما ترمز اليه او تمثله وتفرق الكنيسة في هذا الجرف الهائل، وفجأة انشقت الأرض وابتلعت النهر الذي يرمز الى كل المخاطر التي نعيشها، ونحن اليوم نعيش في قلق كبير وخوف كبير ولا نعرف في اية لحظة ممكن ان يتدخل الله ويقلب الأمور لأجل خير الناس وخير الإنسان. نحن لا نعرف حكمة الله من كل شيء يحدث في حياتنا، هذا لا يعني على الإطلاق أننا مسيّرون، بالعكس نحن اصحاب وابناء الحرية، والحرية هي الجبلة التي جُبلنا على صورة الله بها، نحن على صورة الله لأننا أحرار، فالله هو الحرية والله هو الإرادة المتميزة والله هو العقل وهو الحكمة التي لا تُحَد. فاذا كنا على صورة الله فإننا ابناء الحرية، والحرية تنفي على الإطلاق التسيير.
عندما تنشق الأرض وتبتلع كل الأزمات التي نعيشها، ندرك عندها ان القدرة هي من صفات الله وحده، القدرة الكلّية القدرة الكاملة، ليس هناك ايمان حقيقي يحتوي على تزييف، الإيمان هو ان الله قادر على كل شيء وفي اي لحظة، لذلك نحن ننتظر دائماً بالإيمان ان تنجلي عنا وعن وطننا الحبيب لبنان هذه الغيمة السوداء التي تلفنا من كل الجهات وتسلب منا الراحة والأمان وتزرع مكانهما اليأس والإحباط وهما ليسا من عطايا الله على الإطلاق. الله ارادنا لنحيا ونخلص، الله ارادنا لكي تكون لنا الحياة وتكون لنا بوفرة. الله اراد ان يكون لنا الفرح وقال ان فرحنا لايستطيع احد ان يسلبه منا . هذا ما يجب ان نعلمه لأولادنا وشبابنا وليس ان ندفعهم الى الهجرة. ومن قال لكم ان الهجرة مكان آمن لهم؟ ومن قال انه في الهجرة سيحققون احلامهم وآمالهم ورجاءهم ؟ “
وختم المطران ابراهيم ” كما قلت في زيارتي السابقة لكم ايام الصوم المقدس بأن القارة التي تتوجه انظارنا اليها، ونحن نحلم ان نعيش في باريس او بروكسل او ميونخ ،ولكن ماذا اصبح اسم هذه القارة ؟ القارة العجوز. كنائسها فيها جماد، بينما نحن نحب ان تكون كنائسنا مليئة بالحياة . اذا كان لدينا ضجة في الكنيسة فهذه نعمة من الله حافظوا عليها ، اولادنا هم علامة حياة، هم علامة مستقبل زاهر للكنيسة وللوطن بالرغم من كل المآسي . وانا طالبت مؤخراً المسؤولين الذين زارونا في سيدة النجاة ان يكون في لبنان وزارة خاصة للسعادة والأطفال . ونحن اذا لم نعلم اولادنا على محبة لبنان، على تاريخ لبنان الحقيقي، على حضارته وغناه، واهميته ومستقبله وحاضره بالرغم من كل المآسي نكون نقوم بتربية أجيالاً تكره التراب الذي تسير عليه وهذا شيء مؤسف للغاية لأنه لا يوجد وطن في العالم جدير بأن يُحَب أكثر من لبنان .
لبنان جدير بمحبتنا، جدير بعطاءنا، بأن نساهم جميعاً ببنائه. الوطن ليس حلماً يبنينا، الوطن حلم نبنيه ونحققه. الوطن نحن ومستقبلنا هو لبنان الحقيقي.
اتمنى لكم عيداً مباركاً،واتمنى ان يكون التكرّس رفيق دروب كل الحاضرين وكل الغائبين، والا يخافوا من ان يكرسوا اي شيء مما اعطاه الله لهم من مواهب في خدمة الآخرين.”
وفي نهاية جناز العذراء كرّس المطران ابراهيم اكثر من ثلاثين طفلاً وطفلة اعضاءً في حركة ميداد والبسهم الفولار الخاص بالحركة. من بعهدا النتقل الجميع الى صالون الكنيسة حيث قدمت السيدة لوسي مسعد بإسم اخوية سيدة البشارة في الرعية ايقونة البشارة الى المطران ابراهيم عربون محبة واحترام وتقدير، كما القى الدكتور ايلي ندره معكرون كلمة بإسم الرعية قال فيها :
” سيادة المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، اهلاً وسهلاً بك في بلدتنا وبلدتك رياق-حوش حالا، بين سكانها على مختلف اديانهم وطوائفهم ورئيس واعضاء مجلس بلديتها ومخاتيرها وكهنتها وشخصياتها الدينية والسياسية والإدارية والإجتماعية وخاصة بين رجال ونساء رعيتها الملكية الكاثوليكية الشاكرين والمبتهجين لحضورك والمجتمعين حول كاهناها المحبوب الأب اومير عبيدي الذي عُرف بالصلاة والحوار والعمل، كيف يجمع صغارها وشبابها وكبارها، كيف ينمي ويجدد وينشّط مشاركتهم في حياتها الروحية والإجتماعية والليترجية.
يا ابانا المطران ابراهيم، نشكرك لكل ما ابديت من اصغاء وقُربة للمعوزين والمتألمين في ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع كما فعلت سابقاً في كندا. وننتظر منك في الظروف القاسية، الفردية والجماعية التي نعيشها، التوجيهات الأبوية التي تهدف الى تقوية تناسق العيش المشترك في بلدتنا كنموذج مصغّر لكن فعّال لكل شعبنا اللبناني ورسالته الحضارية في كل انحاء العالم والتي تدلنا على فجوات النور والقوة والخلاص التي يفتحها امامنا الروح القدس بشفاعات امنا مريم العذراء والدة الإله الفائقة القداسة.”
واضاف ” بدأنا نعرفك ونحبك يا سيدنا المطران بما سمعنا عن انجازاتك الكندية في الحجر وفي البشر. ولما قرأنا رسالتك الفصحية لسنة 2022 في مجلة الرسول عرفناك أكثر وأعجبنا بك أكثر واحببناك أكثر، نحن بنات وابناء ابرشيتك البقاعية، لأن هذه الرسالة ترسم بواقعية ودقة ووضوح وروحانية كل معالم المأساة اللبنانية التي لا تزال تنتج البؤس والفقر والمرض واليأس والتباعد والتهجير. وترسم ايضاً بالمزايا نفسها مطلع الفجر الجديد بقوة “المنتصر على الموت”، المسيح المخلّص الذي، كما كتبت، ” كل ما مال النهار وحان المساء( لوقا 24و29) يبقى معنا ليهبنا من نوره ” النور الذي لا يغرب” ليحررنا من حضارة الموت والظلم والظلام، وينقلنا الى حضارة الحياة والخلاص.
يا سيدنا وابانا وأخانا المطران ابراهيم. منذ اليوم ألأول الذي توليت فيه مسؤولية شعبك في ابرشيتنا شاهدناك وسمعناك مصغياً للجميع ومشجعاً لهم وسانداً لهم، مجدداً وجه الأسقفية. والأسقف كما يوحي مصدر الكلمة اليوناني episcopos ليس هو الناظر او المراقب او الضابط فحسب، بل هو ايضاً وخصوصاً من يرى ويسمع عن قرب وعن بعد، افقياً وعامودياً، تدبيرياً وليترجياً . هو الذي بنعمة الروح القدس يفتح الآفاق الزمنية والأبوية مهما كانت الصعاب والضيقات والمشقات والأخطار والإضطهادات. هو الذي يساعد شعبه كما قلت البارحة في بلدة الفرزل، على تذوق نكهة من السماء في حياتنا اليومية، في اعمالنا وايماننا، في صلاتنا، في ثباتنا ورجاءنا، في كل علاقاتنا البنوية مع الأب والأخوية مع الإبن والبنوية مع الروح القدس، مع هذا الإله الواحد في ثلاثة أقانيم، نبع الرحمة لكل خليقته دون اي استثناء.”
وختم الدكتور معكرون ” اهلاً وسهلاً بك ايها الأسقف ابراهيم في عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد الممجد الذي سيعطيه الله الى الملتجئين الى “ذراعها القادرة” كما تقول صلاة الباركليسي والى قلبها الذي بطاعته وتواضعه أمام الرب لاشى غمّ الخطيئة وتسلط الشر.
اهلاً بك اذاً يا سيدنا وابانا واخانا واسقفنا المطران ابراهيم في رياق-حوش حالا، في كنيستها الرائعة والمصلّية، بين منازلها المضيافة وأماكن العبادة التي تحويها، بين اشجار اللوز وعرائش العنب، في نور نهارها وفي نور ليلها الذي لا مثيل له في العالم حيث عناقيد النجوم تمجد الخالق وتشكره على محبته للخليقة وعلى جمالها خاصة في سهل البقاع.
اهلاً بك في قلوبنا المفتوحة لك جيث تجد هدايانا لك : المحبة والصلاة والتقيّد بارشاداتك.
لسنين كثيرة ياسيد.”
وفي الختام جال المطران ابراهيم على اقسام الكرمس الذي اقيم في الباحة الخلفية للكنيسة بمناسبة عيد السيدة، كما قدم اطفال ميداد رقصات نالت اعجاب الجميع .