القى سماحة العلامة السيد علي فضل الله كلمة في الاحتفال الحاشد الذي أقامته في جبيل عائلة النائب الراحل السيد مصطفى الحسيني بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله، تحت عنوان “العيش الواحد والانماء، رسالة خالدة”، بحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة ووزراء ونواب وشخصيات دينية وفاعليات حزبية وسياسية وثقافية وبلدية
ومما جاء في كلمته: إن الراحل كان من الشخصيات التي تعتبر أن الموقع الذي يتسلمه الإنسان ليس امتيازا يعزز من خلاله موقعه الشخصي أو فرصة لبناء مجد ذاتي، بل اعتبره مسؤولية وعبء ثقيل لا يستطيع أن ينزله عن ظهره إلا عندما يطمئن أنه قد اداه كاملا”، لافتا الى ان ذلك كان نهجه وتلك كانت تطلعاته التي التزم بها ووجهت علاقاته مع الناس، وهكذا كان تعامله مع المواقع التي شغلها، إذ لم يكن كغيره ممن وظفوا مواقعهم أو عملهم في الشأن العام لجني المكاسب والمغانم على حساب القانون والأخلاق ومصالح الوطن حتى لو أدى ذلك إلى سقوطه وانهياره، وفي ضوء هذه المنطلقات شارك الناس آلامهم وآمالهم وطموحاتهم وأحلامهم، وحرص أن يكون حاضرا معهم، ما جعله يلقى محبة في قلوب الناس، وهو الذي بقي على عصاميته وتوازنه، فلم يتلوث كما تلوث غيره من ارتكابات جرى إدخالها في نطاق الأمور الطبيعية في هذا النادي السياسي اللبناني المشوه..”.
وقال: “على أتباع الأنبياء أن يتمثلوا القيم التي حملها الأنبياء، وهنا نتساءل لو أن الأنبياء كانوا حاضرين في مواقع الرئاسة طائفية أم سياسية أو في أي موقع مسؤول ، هل كانوا يطالبون بحقوق طائفتهم أو جماعتهم فحسب كما نفعل؟ أين نحن من السيد المسيح الذي يطالب بحقوق الناس جميعا لا بحقوق الملتزمين معه ، وأين نحن من النبي محمد الذي لم يطالب بحقوق المسلمين فقط، هم طالبوا بحقوق جميع الناس ولم يميزوا بينهم”.
واردف: “لم يكن الأنبياء وكل من سار على هديهم ليفكر كيف يوسع دائرة نفوذه أو يراكم الغنائم لمصلحة جماعته وعلى حساب الجماعة الأخرى، ولم يكن أي منهم ليضع خطوطا حمراء ليحمي فاسدا من جماعته … بل كانوا يتركون العدالة تجري مجراها ،لقد وقف السيد المسيح في وجه لصوص الهيكل عندما اكتشف خيانتهم للقيم التي يحملونها وهكذا وقف النبي محمد في مواجهة قومه الذين أرادوا حماية سارق من العقاب لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وفي هذا المجال، نرى أن السيد مصطفى الحسيني لم يكن فئويا ولم يتحرك من منطلق طائفي أو مذهبي ، كان يرى أن إيمانه يجعله منفتحا على الآخرين وعقله يتلاقى مع عقول الآخرين ويده تمتد للتعاون مع الآخرين ، فروحية الانفتاح والتواصل والحوار، هي ثروة لبنان التي لا بد ان نعمل على حمايتها وتعزيزها وتمتينها”.
واكد ان “ما يجمع اللبنانيين حيث القيم الروحية وان اختلفت الوسائل التي تصلنا بالله، تجمعهم القيم الإنسانية والأخلاقية فلا صدق إسلاميا غير الصدق المسيحي ولا أمانة إسلامية غير الأمانة المسيحية، يجمعهم الوطن والتاريخ الذي عاشوا فيه وقدموا التضحيات في سبيله حتى يبقى هذا البلد ، مشيرا الى انه سوف يتفرق اللبنانيون ويعادي بعضهم البعض، وسوف يتمزق الوطن إن تحولوا إلى تجمعات وعصبيات عنوانها ديني ولكنها منزوعة من قيم الدين واخلاقياته، وتحركوا بذهنية ما كانت عليه القبائل عندما كانوا يغزون بعضهم البعض ويتأمرون مع القوى الخارجية ضد بعضهم البعض لأجل الحصول على المكاسب المادية أو الفئوية”.
ورأى ان “مثل هذه الذهنية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من بؤس ومآس وسوف نصل إلى ما هو أسوأ وأعظم إن لم من يراجع اللبنانيون قيادات وفاعليات أنفسهم في ما فرطوا فيه من أمانة الحفاظ على بلدهم، أو يعملوا على لجم غرائزهم الطائفية والمذهبية التي تدفع بهم إلى حيث الفوضى والدمار، أو يعيدوا التفكير بصحة ما يعيشونه من هواجس إزاء بعضهم البعض، أو بمشروعية وواقعية ما يحملونه من أهداف املتها عليهم الطموحات الجامحة والحسابات الفئوية والمصالح الخاصة دون حساب مصلحة الوطن”.
وقال: “لقد كان السيد مصطفى يتطلع إلى وطن بعيد عن هذه الذهنية وسعى ما أمكنه أن يمد الجسور بين الجميع، وخصوصا في مدينة جبيل التي أرادها أن تكون مشرقة في تنوعها وانموذجا في العيش المشترك الحقيقي لا عيش المجاملات او عيش الضرورة أو خداع النفس بالشكليات التي يتقنها بعض الناس حين يكتفون بالإشارة إلى صورة الكنيسة وهي تعانق المسجد، فيما لا يتعانق من يدخلون إلى المسجد مع من يدخلون إلى الكنيسة. عندما يصيب بعضهم الأذى أو حين يواجه الوطن التحديات ، آمن أن قوة لبنان ليست في ضعفه بل في امتلاكه القوة ودعا إلى تقوية الجيش ووقف مع المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني هذا العدو الذي لا يردعه عن اطماعه قانون دولي ولا دين سماوي ولا شرعية أخلاقية أو إنسانية”.
وتابع: “كم نحن بحاجة إلى أمثال السيد مصطفى في هذه المرحلة العصبية التي يمر بها الوطن من الذين يقفون إلى جانب الناس في محنتهم المعيشية ومن الذين يمدون جسور التواصل والمحبة في زمن القطيعة والأحقاد ومن الذين يتشبثون بوحدة الوطن ويتطلعون إلى استعادة موقعه ودوره في مواجهة كل دعوات اليأس والإحباط والانكفاء والتهرب من المسؤولية. لقد حرص في ان يكون زينا لبيته وزينا لعائلته كما هو أخوه دولة الرئيس حسين الحسيني الذي نحترم ونقدر عطاءته لهذا الوطن ، وكل عطاء هذه العائلة التي تركت اثرا طيبا في نفوس الجميع”.
وختم فضل الله: “كلنا أمل بأن آثره سيبقى حاضرا في سيرته ومن خلال نجله فراس وبقية العائلة، حيث نتمنى أن يكونوا العنوان والمثال الحي لكل المعاني التي عاشها وللأرث الإنساني الذي تركه والذي نريد ان يتابعوه”.