أكّدت النائب ستريدا جعجع أنه “لأننا نؤمن بالإنسان وبقيمته على صورة الله ومثاله، لاسيما في لبنان الذي يعاني اليوم الأمرّين، والذي افتديناه على مرّ العصور بالأرواح وما زلنا نناضل من أجله عند كلّ طلعة شمس، فإننا نراهن، كي نخرج من جهنّم التي نحن فيها، على توافر الإرادة السياسية عند جميع القيادات والقوى المخلصة للوصول الى تفاهمات واتفاقات، وأن ترتكز نقطة الإنطلاق على ثوابت وقناعات مشتركة وراسخة بأن لا نهاية للأزمة إلا بالحلّ السياسي وعن طريق الحوار، وأن لا حلّ بالإكراه وبالقوة، وأن أيّ فريق مهما علا شأنه وبلغت قوته لا يمكن أن يسيطر ويحكم بمفرده”.
وشددت على ان “لبنان لا يحكم بمنطق أكثريات وأقليات بل بالشراكة الفعلية، وإنّ الدولة لا يجب أن تظلّ الحلقة الأضعف وسط طوائف وجماعات مستقوية عليها، وإنّ الحلّ العادل والشامل لا بدّ أن يستند الى “ثابتتين”: وحدة الأرض والدولة، وتنوّع الشعب والمجتمع… فعلى القوى اللبنانية الحية والفاعلة والناشطة أن تنتقل من حالة الغموض المفتعل وغير البنّاء الى مرحلة المصارحة الخلّاقة كي لا نهدر فرصة التغيير الجدي، من خلال الفرصة المتاحة والابرز، والتي تتمثل بالاستحقاق الرئاسي من اجل تأمين وصول رئيس سيادي فعلا واصلاحي فعلا ، يمكنه الالتزام بالعناوين والثوابت الوطنية بجرأة وحكمة ، كي يستعيد لبنان موقعه الرائد ويستعيد الشعب اللبنانيّ حريته وحقوقه وكرامته”.
كلام النائب جعجع جاء في كلمة ألقتها في عشاء في دير مار ليشع التابع للرهبانية المريمية المارونية في بشري، لإطلاق مشروع تأهيل طريق وادي قاديشا من دير مار ليشع الجديد الى معمل كهرباء قاديشا، وقد حضره: النائب البطريركي العام على الجبة وبشري المطران جوزيف نفاع، النائب السابق جوزيف اسحق، رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري إيلي مخلوف ونائبه رئيس بلديّة بشري فريدي كيروز، أمين صندوق “مؤسسة جبل الأرز” المختار فادي الشدياق، رئيس الدير الأب الياس زخيا ومعاونه الأب جوزف مسلم، رئيس مركز “القوّات اللبنانيّة” في بشري رينيه النجار، المهندس وليد كيروز ومعاون النائب ستريدا جعجع رومانوس الشعار.
وكانت النائب جعجع قد استهلت كلمتها بالقول: “نحن اليوم في دير يختصر تاريخ إيمان وعطاء وصمود، دير مار ليشع التابع للرهبانية المريمية المارونية، هذه الرهبانية التي لعبت دورا مهما في التاريخين الماروني واللبناني، وأعطت بطاركة ورجالات روح وعلم كبارا، وفي مقدّمهم غبطة أبينا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي نعمل ببركته ورعايته للحفاظ على وطننا الحبيب لبنان” .
ولفتت إلى أنه “اذا كنا اليوم في زمن بائس بكلّ أسف، لكننا هنا في مكان لا ينال منه الزمن ولا الاضطهاد ولا فساد هذا الزمن، إننا في وادي قنوبين، في وادي قاديشا وما يختزن من تاريخ مجيد مارونيا ومسيحيا، روحيا وإيمانيا، ومن غنى ثقافي وبيئي فريد، ورثناه من أجدادنا وآبائنا القديسين والأبطال والشهداء، وعلى رأسهم بطاركة ورهبان ما زال عطر قداستهم يملأ أرجاء الوادي وأرجاء الروح”.
وتابعت: “ومن هنا أهمية إدراج الوادي المقدس على لائحة التراث العالمي في العام 1998 وانعكاس هذا الامر على السياحة الدينية والبيئية التي نسعى لتطويرها بكلّ ما أوتينا من قوة وإرادة لما لها من مردود اقتصادي واجتماعي على اهالي المنطقة يساعدهم على التجذر في أرضهم”.
ولفتت النائب جعجع إلى أن “غبطة أبينا البطريرك الراعي الكليّ الطوبى، سبق وطلب ثم ألحّ عليّ بطلب تنفيذ مشروع الدرب من معمل قاديشا وحتى دير سيدة قنوبين لإيمانه بأهمية هذا الوادي، لاسيما وأنه المعلم الماروني الوحيد المدرج على لائحة التراث العالمي، وهذا الدرب له أهمية كبيرة لبقاء هذا الوادي مأهولا وليتمكن أهلنا من الوصول الى منازلهم، وقد وافقت الاونيسكو ووزارة الثقافة والمراجع المختصة على هذا المشروع الذي يبلغ طوله نحو أربعة كيلومترات، بحيث تمّ تلزيمه في السابق، ولكن وبسبب الأوضاع المالية والنقدية المزرية التي تعانيها مؤسسات الدولة، تم تأجيل تنفيذ المشروع. وإنني أعدكم يا صاحب الغطبة من هنا من دير مار ليشع المطلّ على الوادي المقدس، أن هذا الدرب، وعندما تستقيم الأمور، سيكون من أبرز اولوياتي، ووعد الحرّ دين”.
وأعلنت النائب جعجع عن أننا “إتخذنا، زميلي النائب السابق جوزف اسحق والفريق المعاون وأنا، قرارا بتحويل الوادي الى معلم سياحي ديني عالمي، بالتنسيق مع مختلف المراجع المعنية ، خصوصا وأنّ أهلنا في قضاء بشري يعتمدون اقتصاديا على السياحة بنسبة كبيرة، ولذلك أنجزنا المرحلة الأولى من إعادة تأهيل أربعة مواقع أثرية في البلدات المطلة على الوادي وهي: دير مار يعقوب المقطع والدرب المؤدي إليه – بشري، محبسة مار سمعان الأثرية والدرب المؤدي إليه – بقرقاشا، درب بزعون – الوادي مع ساحة صغيرة وطاحونتا مياه اثريتان في حدث الجبة”.
وتابعت: “إن قرارنا يشمل أيضا الالتزام التام بالعمل على حماية الوادي من أيّ مخالفات تؤدي الى شطبه من لائحة التراث العالمي وما يعنيـه ذلك من خسارة هائلة للجميع لا سمح الله. أما اليوم، فنحن هنا لإطلاق مشروع تأهيل طريق وادي قاديشا من دير مار ليشع الجديد الى معمل قاديشا بهدف حماية الزوار من الحوادث، وهو بطول 4.4 كلم، وتبلغ كلفته 838.775 $ ، على أن ينتهي العمل فيه منتصف شهر تشرين الثاني 2022”.
وختمت النائب جعجع متوجهة “بالشكر العميق الى رئيس الدير الأب الياس زخيا ومعاونه الأب جوزف مسلم لاستضافتهما لنا في هذا العشاء إلى مائدة الدير، راجين من الله أن تبقى أديار الرهبانية المريمية المارونية وباقي الرهبانيات مفتوحة القلوب والأبواب للجميع، فمنكم نحن نتعلم الإيمان والصلابة والتجذر في الأرض”.
من جهته، ألقى الطران نفاع كلمة، قال فيها: “ليس من السهل أبداً أن نلتقي في ظرف مماثل بشأن مشروع تأهيل طريق تمتد من دير مار ليشع الجديد إلى دير مار ليشع القديم، وفي هذا الإطار من الممكن أن يتساءل البعض عما إذا كان هذا الأمر مجدياً في هذه الظروف، ولهذا السبب سأتكلم عما يعني لي شخصياً هذا المشروع في أربع نقاط”.
وتابع: “النقطة الأولى هي أن قيامنا في هذه الظروف بفتح طريق هي علامة من الممكن أن تكون نبويّة، فجميع طرقات لبنان مقفلة نحو المستقبل إلا أننا اليوم وبهذا الظرف بالذات نقوم نحن بفتح طريق لنقول لا نحن مؤمنون أن هناك طريق وستفتح، خصوصاً وأن هذه الطريق هي المدخل الأساسي لمعلم سياسي مهم جداً سيقوم بتأمين القوت لأولادنا، نحن لا نعمل بشكل عشوائي أبداً وإنما مستمرون في مسيرة إعادة إعمار هذا البلد بالشكل الذي يليق به”.
ولفت نفاع إلى أن “المعنى الثاني لفتح الطريق في هذا الظرف هو أنها مدخل إلى معلم قامت النائب جعجع خلال كلمتها بتوصيف أهميّته فهو مقصود من قبل جميع اللبنانيين المقيمين وحتى من قبل المغتربين والسواح الأجانب، بحيث أن لبنان كلّه يلتقي في هذا الوادي المقدّس، لذا انشاءالله سنتعلّم من هذا الطريق أنه يجب علينا أن نتحاور ونلتقي من أجل إعادة إعمار البلاد، وأمل من الله أن تعيدنا هذه الطريق المقدّسة إلى ضمائرنا في أننا أخطأنا بحق وطننا وعلينا أن نعود لنتعلّم التوبة لكي يعود لبنان على ما كان عليه سويسرا الشرق أرض القديسين”.
واعتبر نفاع أن “المعنى الثالث لهذا الطريق هو أننا لا نقوم فقط بفتح الطريق وإنما نبني حيطان الدعم لها، لنتعلم من هذا الأمر هو أن المقاومة الفعليّة تكون بالبناء وليس بالهدم أبداً، وتكون في البناء لكل إنسان وليس لفئة من الناس، فنحن لا يمكننا بناء دولة في الوقت الذي شغلنا الشاغل هو البحث على طريقة من أجل تدمير أنفسنا وتدمير الآخرين. لا نحن هنا في جبّة بشري مع سعادة النائب ستريدا جعجع سنقوم ببناء “المونسات” على الطرقات كي لا يقع أي أحد”.
اما المعنى الرابع، فكان بالنسبة لنفاع انه “ليس من السهل أبداً في هذه الظروف الصعبة أن نتمكن بمسعى من سعادة النائب جعجع من تأمين تمويل من البنك الدولي لمشروع كهذا المشروع الذي نحن في صدده اليوم، فالقضيّة ليست مسألة طريق وإذا ما كان البنك الدولي وافق على إعطائنا هذا المبلغ من المال من أجل فتحها، وإنما القضيّة هي أن العالم لا يزال مؤمنا بلبنان ومن الممكن أن يكون مؤمناً أكثر منا وهذه علامة على أن لبنان مستمر ولا يزال موجوداً ولم ينته وعلينا أن نعود للإيمان به، فنحن إذا ما تمكنا في ظرف صعب كالذي نمر به اليوم من تأمين تمويل لهذا المشروع فهذا يعني أن العالم بأسره ينتظرنا لكي نقف لكي يهبوا إلى مساعدتنا”.
وختم: “هذه الطريق علامة على ان لبنان باق وأن الطريق ستبقى مفتوحة والمستقبل لنا”.
وكانت كلمة لرئيس الدير الأب زخيا، لخص في مستهلها تاريخ الدير العريق وأهميّته بالنسبة للرهبانية المريمية المارونية التي عقدت فيه مجمعها الرهباني الأول كما مسيرة وجود الرهبنة في مدينة بشري تاريخياً، ولفت إلى أنني “أردت أن أبدأ كلمتي بنظرة امتنان إلى الماضي كي أستشف معكم سعادة النائب مستقلاً واعداً ملؤه التعاون من أجل الحفاظ على الوادي المقدّس وخير أبناء هذه المنطقة ولا أعتبر هذا الهدف ممكناً لا بل واقعاً حاصلاً بفضل وجودكم كراع لهذه الأبشريّة يا صاحب السيادة وبوجودكم كنائب عن الجبّة يا سعادة النائب”.
وشدد على اننا “لا يسعنا في هذه المناسبة سوى أن نقدّر الجهود الحثيثة التي تبذلانها في سبيل إزدهار منطقة الجبّة وقضاء بشري والوادي المقدّس، الذي تبذل سعادة النائب أقصى جهودها من أجل تأمين المال الكافي لتوسيع وتعبيد الطريق إليه وذلك بغية تأمين راحة وسلامة الزائرين، ومن أجل ثبات سكانه في أرضهم وتأمين مقومات العيش الكريمة لهم بالرغم من الوضع السياسي والإقتصادي المأزوم في البلاد”. وقال: “أنتم من الذين لا يستسلمون ولا يساومون بل يدأبون على العمل في سبيل الخير العام ونحن نؤكد لكما صلاتنا من أجلكما ومن أجل أصحاب الإرادة الطيّبة في لبنان”.
وتابع: “لا يمكننا في هذا الإطار، سوى أن نقدّر وقوفكما يا صاحب السيادة وسعادة النائب إلى جانب غبطة أبينا السيّد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في المواجهة التي يقودها حالياً نتيجة الإعتداء المدان الذي تعرّض له أحد أحبار كنيستنا المارونيّة، بالإضافة إلى تبنينكما ودفاعكما عن مواقف الكرسي البطريركي الوطنيّة”.
وشكر زخيا النائب جعجع وجميع معاونيها على الحرص الذي تبديه في سبيل أن يبقى وادي قاديشا إرثاً ثقافياً تاريخياً وطنياً ومعلماً سياحياً دينياً عالمياً، مشدداً على أنهم يمدون لها يد المؤاذرة من أجل حماية الوادي من أي خطر قد يتهدّده وأي مخالفة قد تشوب هويّته وتطال مكانته.
وختم: “بشفاعة أمنا العذراء سيّدة قنوبيّن وشفاعة مار ليشع النبي وصلوات نساك وادي القدسين ليبارككم الله ويرشدكم بروحه القدوس ويحيطكم بنعمه”.
وكان قد سبق العشاء جولة ميدانية للنائب جعجع للكشف عن اعمال تأهيل الطريق برفقة الحاضرين في العشاء بالاضافة إلى المهندس سيمون معوض عن “مجلس الإنماء والإعمار”، المهندس صالح صابيدين عن الشركة الاستشارية في المشروع “دار الهندسة شاعر وشركاه”، المهندسان جوني حميد كيروز وفادي نجم عن الشركة المتعهدة للمشروع “مكتب حميد كيروز”.