مثّلت جلسة مجلس النواب الاخيرة فضيحة تشريعيّة على كل المقاييس، بدايةً من طريقة إدارة الجلسة والتصويت على مشاريع القوانين والتعديلات المطروحة على هذه المشاريع، وصولًا إلى طريقة التنمّر على الزميلات اللواتي حاولن تصويب هذا الأمر.
وما إن تمّ الوصول إلى البند المتعلّق بقانون تعديلات السريّة المصرفيّة، حتّى تبيّن أن هذه الفوضى في إدارة الجلسة فتحت المجال أمام مناقشة بنود هذا القانون بشكل عشوائي، وبالتالي تعديل هذه البنود دون أي انتظام في طريقة التصويت على هذه التعديلات. باختصار شديد، تم طرح مقترحات معيّنة وبشكل استنسابي على التصويت دون سواها، كما تم إسكات بعض المعنيين بمشروع القانون، لمحاولة منعهم من التحذير من مغبّة بعض المقترحات.
وفي المحصّلة، تبيّن أن ما جرى لم يكن سوى إقحاما لتعديلات معيّنة على مشروع القانون قبل إقراره، بهدف تفريغه من محتواه، ومنعه من أداء الدور الذي يفترض أن يلعبه. ومن هذه التعديلات على سبيل المثال، إزالة لجنة الرقابة على المصارف من الجهات المخوّلة تجاوز حاجز السريّة المصرفيّة، وإزالة عبارة “والجرائم الماليّة الأخرى” من نطاق الجرائم الماليّة التي يُسمح للقضاء بتخطّي حاجز السريّة المصرفيّة عند النظر فيها. كما تم حصر نطاق الجرائم الماليّة المشمولة بصلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة بتلك المنصوص عنها بقانون المحاكمات الجزائيّة. مع الإشارة إلى أنّ هذا التعديل بالذات من شأنه إخراج التجاوزات والمخالفات المصرفيّة، والتي أودت بأموال المودعين، من قائمة الجرائم التي يمكن أن يرفع القضاء عند التحقيق بها حاجز السريّة المصرفيّة.
إننا نحذّر أولًا من أن هذه الألاعيب التي طالت بنود القانون، ولمصلحة حلقة ضيّقة من كبار المصرفيّين والنافذين ماليًّا، ستؤثّر على إمكانيّة دخول لبنان برنامج القرض الموعود من صندوق النقد الدولي، خصوصًا أن هذا القانون يمثّل أحد شروط التفاهم على مستوى الموظفين المعقود مع الصندوق. كما نستنكر حرص بعض الكتل السياسيّة على مصالح المصرفيين وكبار النافذين ماليًّا، بما يتخطّى حرصهم على المصلحة العامّة، وعلى الشفافيّة المطلوبة في هذه المرحلة بالتحديد من تاريخ البلاد.
وأخيرًا، نعرب عن شديد استنكارنا لطريقة إدارة الجلسة، والتي سمحت بطرح هذه التعديلات بشكل فوضوي، ومنعت مناقشة أبعادها ومخاطرها على النحو المطلوب.