تقدّم اليوم الثلاثاء ٥ تموز ٢٠٢٢ المودعَان المدّعيَان محمد أبو سالم ورولا معلوف بواسطة وكلائهم في تحالف متحدون بدعويي توقف عن الدفع وإفلاس بوجه مصرفي بلوم بنك ش.م.ل. ممثلاً برئيس مجلس إدارته سعد أزهري وبنك الموارد ش.م.ل. ممثلاً برئيس مجلس إدارته مروان خيرالدين، وذلك أمام المحكمة الابتدائية في بيروت الناظرة بقضايا الإفلاس، وذلك بعد سجال يومي دام أسبوعاً بسبب تمنّع قلم المحكمة عن استلام الدعويين، وبعد مراجعات شملت رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والرئيس الأول لمحاكم استئناف بيروت القاضي حبيب رزق الله ورئيسة المحكمة القاضية ميشال طربيه كانت لم تفضِ إلى نتيجة، وكأن المراد وسط كل المآسي الحاصلة للمودعين أن يتم سحقهم مراراً وتكراراً حتى من قبل القضاء عن طريق منعهم حتى من ممارسة مجرد حق التقاضي، في تواطؤ موصوف مؤسف يسمح للمصارف وأصحابها بأن تتمادى في الاستفادة من تمرير الوقت لتهريب أصولهم وأموالهم وموجوداتهم كما بات معلوماً، فيما يعيش المودعون أقسى أنواع المذلة والمرض والموت كان من فصولها ما حصل مع الفنان الراحل بيار شمعون!
وقد استندت الدعويان على قانوني الموجبات والعقود والتجارة سيّما المواد ٢٦٠ و٢٦٥ و٧٠١ و٣٠٧ و ٤٨٩ تباعاً، في إثبات توقف المصرفين عن الدفع وإصدار شيكات لا يمكن استيفاء قيمتها في الوضع الراهن، سيّما بعد إغلاق المصارف أبوابها بوجع المودعين إبان “ثورة تشرين” واعتماد الكيفية في تمييز مودع وتسليمه أمواله وحرمان آخر وتحويل الودائع بشكل استنسابي واحتيالي إلى الخارج.
في المحصلة وأمام تمادي القضاء في تواطئه “الجرمي والمعيب” مع المصارف لتصبح أحكامه “باسم المصارف بدل أن تكون باسم الشعب اللبناني”، كما تساءل نقيب المحامين الأسبق نهاد جبر منذ أيام، لم يعد من مجال للتسويات وأنصاف الحلول على الصعيدين المالي والاقتصادي في لبنان، فإما تدابير جذرية تضع حداً لسطوة المصارف على أرزاق الناس ومقدرات الدولة المالية، وإما “الاستماتة” في الدفاع عن “جنى العمر” لاستيفاء الحقوق بالذات سنداً للمادة ١٨٤ من قانون العقوبات كخيار وحيد متبقٍ أمام المودعين، في مقابل ضروب الغش والسرقة والمقامرة بحقوق الناس وعلى حسابهم، ليزداد السارقون غنى فاحشاً والفقراء فقراً وعوَزاً.
وفي السياق فإن ما صدر في الآونة الأخيرة حول القانون رقم ٦٧/٢، وأبرزه قرار اتحاد نقابات المهن الحرّة وفي مقدمتها نقابتيّ المحامين في بيروت وطرابلس لجهة السير في إجراءات “التوقف عن الدفع والإفلاس” القضائية سنداً لأحكام القانون المذكور، بهدف وقف تأثير المصارف السلبي على أموال المودعين وتعريض حقوقهم للضياع، لا يكاد يصل إلى أن يكون “الحجر الذي يسند الخابية” طالما أنه لم يقترن بآلية “عملية” واضحة لجهة تحقّق رفع الدعاوى وتحديد المرجع القضائي المختص والخطوات الناجزة، وتحديداً أننا أمام “إفلاس احتيالي” يكون فيه الاختصاص لمحاكم الإفلاس المدنية والجزائية بشكل أولى.
فسنداً للقانون ٦٧/٢ فإن “المعضلة” لدى ثبوت توقف أحد المصارف التجارية عن الدفع هي في صلاحية وسلطة “حاكم مصرف لبنان”الذي يعود له حصراً الطلب إلى أن المحكمة المختصة (محكمة المركز الرئيسي للمصرف اللبناني أو فرع المصرف الأجنبي) تطبيق أحكام هذا القانون على المصرف المتعثّر، فيقوم بإعلام وزيري العدل والمال بذلك، في حال:
١- أعلن المصرف بنفسه توقفه عن الدفع.
٢- لم يسدد ديناً مترتباً عليه لمصرف لبنان عند استحقاقه.
٣- سحب شيكاً على مصرف لبنان بدون مؤونة كافية.
٤- لم يؤمن المؤونة الكافية لتغطية رصيد مدين ناتج عن عمليات غرفة المقاصة.
مع المحاذير التي لا يمكن تجاهلها في هذه الحالة وبخاصة لجهة علاقة المصارف مع السلطة والحكومة بين الماضي والحاضر وعلى ضوء تجربة بنك انترا التي كانت الدافع الأساس لصدور القانون المذكور. فالثابت في هذه العلاقة هو سطوة المصارف. أما المتغيّر فهو دور الدولة والطبقة السياسية التي كانت في الماضي، مع كل علّاتها، تتحلّى بشيء من المسؤولية تجاه الرأي العام وتتمسك كحد أدنى بوجوب رمزية المرور عبر المؤسسات الرسمية لاتخاذ القرارات، أيضاً وبنسبة دنيا من الكفاءة تسمح لها بإنقاذ نظامها بأقل الخسائر، وليس كما هي الحال الآن من التصاق السلطة السياسية في لبنان بالسلطة المصرفية واحتكار المصارف للقرارات النقدية بالتواطؤ مع المصرف المركزي والتلكّؤ الفاضح عن معاقبة أو حتى إصلاح ذاتها، لا بل باتت المصارف تحل محل المشرّع الأصلي كما نشهد اليوم، أي الخصم والحكم في آن!
ختاماً فإن المصارف وأصحابها ومديريها يملكون الكثير من الأصول والأموال والعقارات التي تكفي لسداد قيم كل الودائع، فهي التي وظّفت لدى المصرف المركزي نسبة كبيرة من موجوداتها طمعاً بالأرباح الاستثنائية التي كانت تحصل عليها ولم تشارك المودعين بها فيما تصرّ على مشاركتهم الخسائر المحتملة (علماً بأن أرباح عدد من المصارف واستثماراتها في الخارج كانت “قياسية” في السنتين الأخيرتين!) ما يحتم الذهاب إلى اعتماد كل قانون ومرجع قضائي متاح وقادر على وضع حدٍ لكل الهرطقات القانونية المتعاقبة التي ترعى عمل المصارف وبشكل فوري، في مقابل تهويلها المضلِّل على المودعين لثنيهم عن اللجود إلى القضاء سيّما لإثبات التوقف عن الدفع والإفلاس.
يبقى أن يتحرّك القضاء فوراً أو أن يُستهدَف بأقسى الوسائل المتاحة مهما نتج عنها كل قاضٍ فاسد متواطئ مع المصارف.