وعد بقرب افتتاح مكتبه المتخصص لمتابعة الناجيات من العنف
"النسائي التقدمي": نعلن انحيازنا المطلق لحقوق المرأة في يومها العالمي
يحلّ الثامن من آذار هذا العام في ظل الكثير من التحدّيات التي فرضتها جائحة كورونا على الإنسانية جمعاء، مرخية بظلالها على النساء بصورة مضاعفة.
نعم، ان الجائحة فرضت قوانينها وإجراءاتها الإستثنائية على البشر أجمعين، نساءً ورجال، إلا أنها كشفت بشكل رئيسي قصور منظومة الحكم الأبوي عن اتخاذ إجراءات الحماية اللازمة للنساء أكثر من غيرهن. هذا هو الواقع وعلينا ملاحظته شئنا أم أبيْنا!
أدلة صارخة على العنف
ففي ظل الحجر الصحّي، وجدت الكثير من النساء المعنَّفات أنفسهنّ حبيسات المساحات غير الآمنة مع معنّفيهن داخل البيوت، في حين ظلّت قوانين حماية النساء التي أقرت وتم تعديلها مؤخراً عاجزة عن ضبط المأساة. مقتل 27 امرأة لبنانية على يد أفراد أسرهنّ في العام 2020، ومقتل 3 نساء في أسبوع واحد مطلع العام 2021، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الشكاوى حول العنف الأسري لدى قوى الأمن الداخلي اللبناني بنسب فاقت المئة بالمئة، ناهيك عن اعدادها المضاعفة لدى الجمعيات المتخصّصة بحماية النساء ونحن منها، كلّها أدلّة صارخة!
أعمال الرعاية تهدد حضور المرأة في الحياة العامة
هذا الواقع أضيفت إليه الأزمة الإقتصادية وما رافقها من إجراءات الصرف التعسّفي التي تأثرت بها النساء بنسب مضاعفة عن الرجال حسب تقارير الأمم المتّحدة ومعظم المؤسسات الدولية المعنية بمراقبة مسار التقيّد بحقوق الإنسان في لبنان. وقد شكّل الدور الرعائي المناط بالمرأة العامل الأبرز في هذا المجال.
الحجر الصحي ونظام التعليم عن بُعد العشوائي بالاضافة الى غياب خدمات الرعاية الصحية الرسمية لكبار السن، كلها عوامل ضاعفت اعباء الرعاية الملقاة على عاتق النساء، ما حدا بالكثيرات منهنّ للتضحية بأعمالهن المهنيّة مدفوعة الأجر، فداءً لما تعتبره المنظومة الأبوية "واجباً" محصوراً بالمرأة!
إن هذا الواقع، وإن كان يعكس الحضور "البطولي" للمرأة اللبنانية والتزامها التام بمسؤوليتها الأسرية والإجتماعية والوطنية معوّضة بذلك قصور الدولة وعجزها عن تأمين احتياجات مواطنيها، إلا أنه في الوقت نفسه يدفعنا لدقّ ناقوس الخطر من انعكاساته السلبية المتوقّعة على مستقبل النساء في لبنان، خصوصاً أن حصر الأدوار الرعائية بالنساء يعيد هذه الخدمات من الحيّز العام إلى الحيّز الخاص، مع ما يفرضه هذا التحوّل من تراجع فرص التمكين الإقتصادي لشريحة واسعة من النساء، بالإضافة إلى مضاعفة الحواجز التي تعيق إنخراطهن في الحياة العامة بمختلف أشكالها، بدءاً من العمل، مروراً بالنشاط الإجتماعي داخل الجمعيات الأهلية والأحزاب، وصولاً إلى حضورها المطلوب في المؤسسات العامة وهي المدخل الأساس لكل تغيير وطني منشود.
قيمة الدور الرعائي للنساء
من هذا المنطلق نطالب المواطنات والمواطنين معاً بالاعتراف بقيمة الدور االرعائي غير مدفوع الأجر للمرأة اعترافاً معنوياً ومادياً على مستوى العلاقة بين الشريكيْن، والسعي لتقاسم الأعباء من أجل ضمان استمرارية وحدة الأسرة وتحقيق الهدف الأسمى لعقد الشراكة الزوجيّة. كما نطالب الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين نظام ضمان صحي واجتماعي متكامل للنساء مقدِّمات خدمات الرعاية غير مدفوعة الأجر، خصوصاً أنهنّ أكثر عرضة لالتقاط عدوى كورونا ونقلها، كما أنهن أكثر عرضةً للأمراض بشكل عام نتيجة الضغوطات المعيشية والنفسية الناجمة عن الإنهيار الإقتصادي، الناجم بدوره عن استهتار الأكثرية الحاكمة المتمادي بحقوق مواطنيها!
في المقابل، وفي ظل قصور المنظومة القانونية عن تأمين الحماية اللازمة للمرأة، وفي ظلّ الغياب التام لهيبة الدولة وعجزها عن تطبيق القوانين بوجه المنظومة الثقافية والإجتماعية الحاكمة بقوة الأعراف والعادات والتقاليد ذات الطابع العائلي والعشائري غالباً، لا يسعنا في يوم المرأة العالمي إلا أن نحيّي نساء لبنان "الناجيات" من مختلف أشكال التمييز والعنف ضمناً!
مكتب حقوقي خاص قريباً
وبناء عليه، فإننا في هذه المناسبة، نجدد عهدنا بأن نبقى السند التقدّمي لكل النساء اللبنانيات والمقيمات على مساحة الوطن. وإذ نؤكّد انخراط جمعيّتنا الرسمي والعلني في إطار الحركة النسوية اللبنانية المتبنّية لكل حقوق الإنسان والمرأة بصورة خاصة، نكرّر تمسّكنا بشعار المعلم الشهيد كمال جنبلاط في قوله أن "النضال من أجل قضايا المرأة ليس صراعاً ضد الرجل، بل هو صراع ضدّ التخلّف"، ونعلن أننا بصدد التحضير لافتتاح مكتبٍ خاص هدفه المتابعة العملية لشؤون النساء الناجيات من العنف بمختلف أشكاله المعنوي والجسدي والجنسي والقانوني والسياسي وغيره. ونتعهّد باستمرار السعي والضغط من أجل إقرار كل القوانين التي من شأنها وضع حدّ للتخلّف في الدولة والمجتمع اللبنانيَّيْن، بدءاً من القانون المدني للأحوال الشخصية وقانون الجنسية لإعطاء المرأة الحق بمنح الجنسية لأفراد أسرتها، وصولاً إلى إلغاء كل أشكال التمييز القائم على النوع الإجتماعي في قوانين العمل والعقوبات والضمان الإجتماعي وغيرها.
أخيراً، ومع إيماننا المطلق بأن القانونيْن الأوليْن يشكلان المقدّمة الصحيحة والحل الوحيد لبناء دولة العدالة والمساواة، دولة القانون والمؤسسات التي نطمح لبلوغها، فإننا نعلن انحيازنا لكل تغيير من شأنه أن يعطي الأولوية للإنسان في لبنان، ومن هذا المنطلق الإنساني الوطني نعلن انحيازنا المطلق لحقوق المرأة!