بعد مرور سنة ونصف على أكبر عملية سطو على أموال المودعين الموجودة في المصارف وتفنن هؤلاء بإذلال اللبنانيين في الداخل والخارج وذلك بالتواطؤ من حاكم مصرف لبنان والسلطة السياسية التي كان يتم تمويل دينها العام وفسادها ومشاريعها الخاصة من أموال المودعين لسنوات خلافاً للقانون، ما أدى إلى إستفحال الفقر بعد إنهيار قيمة العملة الوطنية وتدني الحد الأدنى للأجور حتى لامس الـ 70 دولار للفرد الواحد، بعد أن أفلست المؤسسات والشركات الخاصة. وكل ذلك في ظل غياب الدولة بكامل مؤسساتها التي وحتى اللحظة لا تزال تتقاذف المسؤوليات وتكتفي بإصدار البيانات وتتلهى كما ودوماً بما يكرس ويخدم مصالحها متناسية عن قصد دورها وواجباتها تجاه أزمة كانت هي أحد مسبباتها الأساسية ومشرعة الساحة لتعاميم مفرقة وغير قانونية عن حاكم بأمر المال بالتعاون والتنسيق مع اصحاب المصارف الذين يتحكمون بمصير المودعين وتم السطو على أموالهم بشكل وقح.
أمام كل ذلك نجد أنفسنا نحن المودعين والجمعيات التي تمثلهم وكما كنا منذ بداية الأزمة بحاجة للتصدي لهذه الممارسات بكل الوسائل المتاحة.
فلا بد من أن نبين للمودعين والرأي العام بعض الوقائع التالية:
أولاً: إن الغياب المتعمد لمجلس النواب وتقاعسه عن القيام بدوره التشريعي الذي لا يرقى لمستوى الأزمة كما وتقاعسه عن قصد عن سن القوانين التي تخفف ضغط الازمة عن المودعين لاسيما الصغار والمتوسطين منهم، وترك المصارف تمارس بطشها وإستنسابيتها في التعاطي، ليس سوى دليل قاطع على تبعية هذه السلطة الحاكمة وتسليمها دورها لحاكم مصرف لبنان وغض النظر عن ممارساته ومخالفاته وذلك مقابل الإستفادة من هندسات مالية طوال ٣٠ عاماً، راكمت خلالها أرباحهم بالمليارات، وأخيراً تغاضيها عن التمادي الوقح من المصارف بمخالفتها القانون وسلب المودعين أموالهم وممارسة كابيتال كنترول و hair cut غير قانونيين مما أدى الى خسّارة المودعين أكثر من 70% من قيمة ودائعهم.
ثانياً: إن التجاذب الحاصل بين السلطة السياسية والمصرف المركزي لناحية التدقيق الجنائي بهدف تطييره عن طريق محاولاتهم التذاكي ورفض إظهار الأرقام والمعلومات التي من شأنها أن تؤمن أرضية للقيام بالمحاسبة لاحقاً، ما هو إلا دليل إضافي على تواطؤ هؤلاء جميعا بهدف تمييع الحقائق والتستر على النتائج التي ستطال الجميع ممن ساهموا في هيكلة القطاع المصرفي بهذا الشكل الذي خدم مصالحهم وإنفجر بعدها بوجه المودعين الصغار الذين كانوا وقود لتجميع الثروات الطائلة من المصارف وأصحابها والسلطة السياسية وحاكمية مصرف لبنان.
ثالثاً: إن التحايل الذي مارسته المصارف على مر السنوات عبر إستقطاب الودائع وإيهام مودعيها بفوائد عالية بحيث كانت هي بدورها تستفيد من هندسات مالية نسقها الحاكم المركزي حيث مُنحت فوائد بنحو 15% على الدولار والتي ما كانت تغذي سوى أرباح المصارف أما الدولة فكانت تغرق بديون للخارج عبر بيع اليوروبوندز، وعندما وصلت الأمور إلى ما نحن عليه قام هؤلاء مع كبار المودعين ومن السياسيين وغيرهم بتهريب أموالهم للخارج وتحميل عبئ الأزمة للمودعين الذين ائتمنوهم على جنى أعمارهم.
رابعاً: إن خطة الحكومة التي سعت لجنة المال والموازنة إلى وضع تعديلاتها عليها بالتنسيق مع المصارف ومصرف لبنان ليست سوى نافذة عبور لتبرئة المتورطين الأساسيين في الفشل الذي وصل إليه القطاع المصرفي بعد الجشع الذي مارسوه، ولا ترقى لأن تكون خارطة طريق لحل أزمة بهذا الحجم فلا الأرقام التي بينتها صحيحة ولا تحمي الإقتصاد أو المالية العامة أو المودعين بل على العكس تشركهم في تحمل كلفة ليس لهم فيها أي يد وقد كانت هذه الخطط عرضة لإنتقاد صندوق النقد حتى.
خامساً: إن الممارسات المتمادية لحاكم مصرف لبنان وتفرده في تقرير مصير الأموال وتكريسه بتعاميمه وخططه أسعار صرف مختلفة لليرة اللبنانية بخلاف القانون وآخرها سعر صرف المساعدات الإنسانية بذريعة الإستفادة من الفرق في ترشيد الدعم في غياب تام للشفافية، وفي ظل تعطيل أجهزة الرقابة في مصرف لبنان كلجنة الرقابة على المصارف وإستباحة الحاكم والمصارف لجنى أعمار الناس ومستقبل أولادهم وتباطئ القضاء في أخذ قرارات حاسمة تنصف المودعين وتجرم الممارسات المخالفة للقوانين إنما يؤكد أننا رهائن لمجموعة لا تأسف على إنهيار إقتصاد ولا إفقار شعب ولا تلاشي بلد.
ولذلك نجد أنفسنا اليوم ومع تكاتف المصارف ومصرف لبنان والسلطة السياسية الحاكمة التي يحاول البعض فيها تمرير حلول لا تكرس سوى فساد إضافي من قبيل انشاء صندوق سيادي وبيع أصول الدولة، بحاجة لتنظيم أنفسنا والضغط بكل الوسائل بهدف الوصول إلى توزيع عادل للكلفة، وإعادة لهيكلة الدين وأن يكون الحل شامل وليس بتعميم من هنا وقرار من هناك وصولاً للحصول على كل المعلومات المتعلقة بالأزمة بشفافية تامة تمهيداً لمحاسبة المسببين بها ومعاقبتهم.
ولعل الشارع الآن هو الوسيلة الأنجع بعد أن حاولنا عبر القضاء للضغط في هذا الإتجاه لأننا لن نتحمل مسؤولية وكلفة فسادهم.
لذا، ندعو الجميع الى أوسع مشاركة شعبية في المظاهرة التي ستقام 26-02 الجاري الساعة 3 بعد الظهر.