ضمن سلسلة الندوات التي ينظمها ملتقى ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا تمّ تنظًم ورشة عمل مُتخصّصة إفتراضية بتاريخ 15-شباط 2021 تحت عنوان "المبادرة الفرنسية الأنقاذية المتجددة وشروط تحقيق الأصلاح المالي المنشود" وذلك عبر تطبيق الزوم حاضر فيها نخبة من أهل الأختصاص والخبرة وبمشاركة واسعة من المهتمين بالوضع المالي والاقتصادي. وقد ساهم في إدارة هذه الورشة وإعداد توصياتها الخبير الإقتصادي الدكتور حسن حمادة وجاءت مداخلات المشاركين كما يلي:
حمود:
بعد ان رحّب منسّق الملتقى الدكتور طلال حمود بالأصدقاء الخبراء الحقوقيين -القانونيين والإقتصاديين- الماليّين المشاركين في هذا اللقاء، شرح الحيثيّات التي دفعت ملتقى " حوار وعطاء بلا حدود " إلى تنظيم هذه الورشة فقال إنّ هذا الملتقى النخبوي تطلّع دائماً إلى تكوين " لوبي وطني جامع عابر لكل أنواع الحدود والطوائف والمذاهب والزواريب والحسابات والمصالح الضيّقة التي يُحاول البعض ان يزرعها بين اللبنانيين . وذلك منذ إنطلاقته منذ اربع سنوات حيث سعى للتشكيل هكذا لوبي ضاغط في سبيل الإصلاح والتغيير الحقيقيين،
وقد كان من أول نشاطاته المؤتمر المالي الاقتصادي الذي عُقد في العام( ٢٠١٨) اي سنة تقريباً قبل إنطلاق حراك او ثورة (١٧ تشرين ٢٠١٩). وكان ذلك اللقاء الذي عُقد بمشاركة الوزيريْن "جورج قُرم" و "شربل نحاس " وعدد كبير من الخبراء الماليين والاقتصاديين محطّ إهتمام كبير بحيث دقّ الملتقى من خلاله ناقوص الخطر وحذّر الطبقة الحاكمة من انّ إستمرارها في سياساتها الماليّة والإقتصادية الريعيّة القائمة على الإستدانة وطلب القروض والمكرُمات والهبات من هنا وهناك ، دون التفكير الجدّي في وضع خطط إقتصادية حقيقية وبنّائة لتحويل الإقتصاد اللبناني الى إقتصاد مُنتج.
بعد ذلك استكملنا نشاطاتنا ونظّمنا عدّة ندوات حول سُبل مُكافحة الفساد وحول الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وكان الملتقى في صدد إطلاق "المُبادرة الشعبية الوطنية لمكافحة الفساد" لتكوين رافعة شعبية واسعة لدعم القضاء وتحفيزه على محاربة الفساد ، بعد ان لمس معظم اللبنانييون ان بعض رجال الدين سارعوا لوضع الخطوط الحمراء لمنع محاسبة هذا وذاك من الفاسدين فقط بسبب الإنتماء الطائفي والمذهبي لهؤلاء. لكنّ هذه المبادرة لم تُطلق بسبب إنطلاق الحراك الشعبي بضعة ايام قبل تحديد موعد إطلاقها. ومع إنطلاقة الحراك وحدوث التطوّرات الإقتصادية والمالية الخطيرة التي ادّت الى إرتفاع جنوني في اسعار الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية ، عقدت اللجنة الإقتصادية الحقوقية للملتقى عدّة لقاءات بحضور نخب حقوقية، قانونية، إقتصادية، مالية ومصرفية، وأصدرت هذه اللجنة عدّة توصيات إصلاحية في هذا المجال و أدانَتْ في وقتها كل المُمارسات التعسّفية التي كانت تقوم بها المصارف وما تزال. و نَتَجَ عن هذه الإجتماعات ايضاً توصية بتأسيس جمعية " لحماية حقوق المودعين " . وبالفعل فقد تأسست هذه الجمعية تحت إسم جمعية "ودائعنا حقّنا " في بداية العام( ٢٠٢٠). وقد وضعت هذه الجمعية في سُلّم اولوّياتها السعي الحفيف وبكل الوسائل القانونية والقضائية لحماية حقوق المودعين ونظمت عدة نشاطات اهتمت بمعظمها بطرق وآليات حماية صغار المودعين ومُواكبة التشريعات الايلة لذلك ودعم وتشجيع سبل وأليات استرجاع الاموال المنهوبة والمسلوبة والمُحوّلة عن طريق القضاء ونظّمت عدّة ورش عمل ولقاءات حول كل هذه العناوين بمشاركة نخبة مُميزة من خبراء القانون والحقوق والإقتصاد والمال. وحاولت الجمعية المُنبثقة عن الملتقى التواصل مع أكبر عدد مُمكن من الجمعيات والروابط والكيانات الهادفة لحماية حقوق المودعين بهدف تأسيس اتحاد وطني جامع لكل المعنيين بالدفاع عن حقوق المودعين. وما زالت هذه المحاولات في اوجّها من اجل تأسيس هكذا اتحاد. واليوم إذ نُنظّم هذا اللقاء ننتظر كثيراً ان تفيدنا مداخلات الخبراء المُشاركين في إصدار توصيات هامّة لكي يتمّ تعميمها ونشرها على اوسع نطاق. خاصة وان الملتقى والجمعية في صدد تحويل هذه القضية الى قضية رأي عام وسنحملها جميعاً من من يعنيهم امر حماية حقوق المودعين لتوزيعها على كل وسائل الاعلام ولإيصالها الى كل دوائر القرار في لبنان وفي الخارج، خاصةً في أوروبا و فرنسا تحديداً التي تهتم حاليًا بشكلٍ كبير بالملف الإصلاحي السياسي والإقتصادي والمالي في لبنان. وأنهى الدكتور حمود مداخلته بالطلب من الخبراء المشاركين في الندوة بأن تكون توصياتهم واضحة، علميّة وعملانية بحيث يتمّ إصدار التوصيات النهائية بعد صياغتها وتعميمها على وسائل الاعلام كافةً من أجل أن يطّلع عليها أكبر عدد من اللبنانيين . وأكمل أننا يجب ان نُكمل الضغط وبكل الوسائل المُتاحة على "الثلاثي الجهنمي" الذي أوصلنا إلى هذه الحالة، والمُتمثّل بالطبقة السياسيّة الحاكمة وأزلامها ومحاسبيها، حاكم مصرف لبنان الذي أخفى الأرقام و الأسرار و ناوَر وضلّلَ الرّأي العام بمعلوماتٍ وحساباتٍ لم يكشف عنها أبدًا ولا يعرف حتى الذباب الأسود دقّتها وخباياها وحيثيّاتها، و جمعية المصارف اللبنانية التي لم تشبع حتى اليوم والتي اساءت الامانة وتلاعبت بأموال المودعين ونهبتها او اقرضتها للدولة او استعملتها في عملية شراء سندات الخزينة، نتيجة الطمع بالفوائد الكبيرة التي وصلت الى 43% في بعض الأوقات من اجل جمع المكاسب والأرباح الطائلة على حساب الطبقات الفقيرة من المجتمع اللبناني.
ضاهر:
بداية المداخلات كانت مع مدير الحلقة العلمية العميد البروفسور فضل ضاهر،لشرح الاهمية الخاصة لهذا اللقاء على المستويات الاجرائية المُتوجّبة لإنجاح النسخة المُتجدّدة من المبادرة الفرنسية المدعومة دولياً, مُذكراً بأن فشل التجربة الاولى لهذه المبادرة يعود الى إنطلاقها من البناء على افتراض إمكانية حصول توافق سياسي داخلي كان ولا يزال من المؤكّد عدم توفر شروط تحقيقه. ،في حين يقتضي البناء على حقائق ثابتة ومُسندة سوف يتمّ تسليط الضوء عليها بصورة موضوعية وواقعية،مُؤكّداً ان الإطار المرسوم لهذا اللقاء يستند ،منهجياً، الى المعايير العلمية لعلوم الهندرة-الاجتماعية،لاسيما التقديمات الحديثة للعلوم الجنائية والعقابية في ميادين العدالة الاجتماعية وحُكم القانون عموماً, وعلى صعيد الحوكمة والإدارة الرشيدة والنزاهة والإنصاف والشفافية والمساواة والمُساءلة على وجه التحديد. واما لجهة حدود اللقاء الوقائعية, فقد اوجزها في عدة بنود اهمها:
فك الارتباط بين تشكيل الحكومة المُتعثّر, وبين مباشرة الخطوات العملية لإنقاذ الشعب اللبناني المُتهالك والمدفوع الى الإنتحار ما لم تعمل المبادرة على إنقاذه في اسرع ما يمكن وقبل اي اعتبار آخر. مُؤكداً، بالدليل المسند الذي توسّع بشرحه وتوثيقه، على توفر الآليات MECHANISMS والوسائل الوطنية التي تُتيح المُباشرة الفورية بإنقاذ الشعب وبتدارك مخاطر تدمير الوطن, بخلاف ما يروّج له حيتان المال وشركاؤهم المتنفعون من جماعة ال 2% المُتحكّمة برقاب العباد ومصالح البلاد.بدءا من الفقرة "ب" من مقدمة الدستور اللبناني وصولاً الى القانون318/2001ا لذي أنشأ هيئة التحقيق الخاصة لتكون الوحدة المالية المنوط بها التقصّي والتحقّق والتدقيق،"من اجل ردع وكشف جميع اشكال غسل الاموال،"بما في ذلك رفع السريّة المصرفية لتلبية "متطلبات تحديد هوية الزبون وحفظ السجلات" والإبلاغ عن المُعاملات والتحويلات المشبوهة الى سلطات إنفاذ القانون، وذلك على نحو ما نصّت عليه المادة السابعة من اتفاقية باليرمو الدولية لعام 2000، ولما اوجبته المعايير الحكمية لتوصيات مجموعة العمل الماليFATF. بناءً على هذه المعلومات التي شرحها ضاهر مُعزّزة بإستحضاره للوقائع التي كان شاهداً عليها خلال مشاركته بجميع اجتماعات لجنة صياغة هذه الإتفاقية الدولية، وآخذاً بالإعتبار للقواعد المنهجية في رسم خارطة طريقRoadmap موضوعية وواقعية تُحقّق النجاح للمبادرة الفرنسية المدعومة، فإن اوّل إقتراح تقدّم به ضاهر يتلخّص بالدعوة الى البناء على الحقائق التالية:
1- اهمية توفّر التصميم الثابت والإرادة الحازمة لإنقاذ الشعب اللبناني, كأولويّة مُطلقة ,باعتباره، اي الشعب، الرُكن الأساسي لديمومة الوطن بجميع مقوّماته, وترجمة ذلك العملية, كما يراها, تتحقّق من خلال المُباشرة الفورية بالضغط لإستعادة قُرابة 13 مليار دولار اميركي منهوبة من اموال المودعين حسني النية، الذين تنتفي عنهم اية مسؤولية قانونية عن تبديدها الذي حصل بسبب سوء إدارة المصارف لهذه الاموال ،خلافاً لما الزمتهم به المادة 156من قانون النقد والتسليف، والمادة 701 من قانون المُوجبات والعقود، اللتان يغلب الظنّ انّ مُمثلي جمعية المصارف تعمّدوا عدم ذكرهما اثناء اجتماعهم مع المراجع الفرنسية في باريس بمعرض محاولتهم التنصّل من افعالهم التي قد تُعرّضهم للسجن وللتغريم مع الإلزام بإعادة تكوين الودائع، بسبب توفّر عناصر تجريم هذه الافعال، تعسفاً وتنمّراً، إساءة للأمانة ،إحتيالاً ،إضافة الى التوقّف غير المُبرّر عن إعادة اموال المودعين ما يُقدّم الدلائل الوقائعيه والموضوعية للإفلاس الإحتيالي…الخ
2-_وجوب التشدّد في إشتراط تفعيل وتمكين منظومتنا الوطنية لتحقيق العدالة الجنائية ولضمان" إتّصافها بالإنصاف وبالمسؤولية وبالأخلاقية وبالكفاءة, تعزيزاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأمن الانسان", سواءً من خلال تصويب آليات المُساءلة والمُحاسبة (المُتعمّد تجاهلها من المعنيين بكل أسف) ام من خلال إستخدام نهج العدالة التصالحية ،الذي اقرّت الأمم المتحدة مبادئه الهادفة الى الحدّ من جرائم التحصّل على أموال و/او مُمتلكات غير مشروعة من خلال المُساعدة على إبراء الضحايا والجناة والمجتمعات, على نحو ما اظهرته تجارب الدول الفضلى في هذا السياق ،ومنها فرنسا على سبيل المثال لا الحصر. هذا وقد اكدّ ضاهر، ان نجاح المبادرة الفرنسية بهذا الشأن سوف يضع حدّاً لمظاهر توهين الشعور الوطني وإنعدام الثقة داخل لبنان وخارجه ،ويمنع
التمادي بجرائم النيل من مكانة الدولة المالية انحداراً بها الى الدرك الذي اوصلتنا اليه مجموعة ال 2% من المُتنفّذين الفاسدين، مضيفاً، في السياق نفسه ، بأنّ إصراره على إمكانية إستعادة ال 13 مليارا التي ذكرها، بسهولة وبأقلّ من شهر واحد،يستند الى سببين اثنين:
ا_توفّر الادلّة القانونية والوقائعية الدامغة لإعتبارها، مع متحصّلاتها المُحتملة، اموالاً غير مشروعة ناتجة عن جرائم موصوفة منصوص عليها بالمادة الاولى من القانون 44/2015.
ب_توفّر وسائل كشف طبيعة وقيمة هذه الاموال المنهوبة والمهدورة والُمهرّبة بفترة اسبوع على ابعد تقدير، فيما لو التزمت هيئة التحقيق الخاصة بمعايير توصيات مجموعة العمل المالي Fatf المُلزمة، بواسطة وحدات امانتها العامة الأربعة بالغة التطوير وكاملة التجهيز،وهي وحدة المُدقّقين والمُحقّقين، ووحدة المعلوماتية والامان، ووحدة التحقّق من الإجراءات، والوحدة الإدارية لجمع المعلومات المالية.
اضافة لمقترحه بالغ الاهمية اعلاه، وبالتزامن معه، فإن ضاهرإختتم مُداخلته مُذكّراً بمقترحه العائد لستة شهور مضت ،حول حتمية تصحيح تشكيل هيئة التحقيق
الخاصة لما شابه من إلتفاف غير بريئ على إلتزامات لبنان الدولية، وذلك من خلال الدعوة إلى تبنّي إقتراح قانون مُعجّل مُكرّر يُحقّق اسباب ضمان وتعزيز إستقلالية الهيئة لكي تقوم بمهامها الملحوظة بالبند ثانياً من المادة السادسة من القانون 44/2015، في ضوء ما منحها اياه هذا القانون من صلاحيات إستثنائية واسعة.
كما واوصى ضاهر، من جهة ثانية مُتّصلة بآليات التعاون الدولي للمُساعدة التقنية، بأن تحرص المبادرة الفرنسية على تقديم الدعم التقني والفني الى كل من الهيئات الرقابية والقضائية، لاسيما النيابة العامة التمييزية ،وديوان المحاسبة، ومُفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، لتمكينها من تحسين ادائها والنهوض بمسؤوليًاتها من اجل إستعادة الاموال المهدورة على مدى عشرات السنين، إن بصورة رشى او سمسرات او إستحواذ بصرف النفوذ، من الثابت حصولها في جميع القطاعات والوزارات والإدارات على نحو ما تُؤكّده مئات الإخبارات التي يقتضى اصولاً تقديمها الى هيئة التحقيق الخاصة بموجب طلبات المساعدة للتقصّي والتحقّق والتدقيق تمهيداً لإعطائها المجرى القانوني في ضوء التزوّد الحكمي بمعلومات مُدقّقي الهيئة الذين لا يُعتدّ تجاههم بالسريّة المصرفية لكشف جميع فئات الجرائم ال21 المُحدّدة بالقانون 44 وذلك بناء لتوصيف سلطات إنفاذ القانون ذات الصلاحية، دون ان يكون للهيئة صلاحية إبداء الرأي او التشكيك بهذا التوصيف الذي تخضع إجراءات الإعتراض عليه او الطعن به لأصُول مُحدّدة بالقوانين النافذة.
نور الدين :
الخبير في القانون العام الدكتور تمام نور الدين إعتبر أن المبادرة الفرنسية بدأت عملياً قبل نيسان من العام 2020 اي قبل إنفجار المرفأ، و في ٢٩ نيسان تواصل الفرنسيون عبر إحدى قنواتهم مع رئيس الجكومة حسان دياب و مُستشاره خضر طالب لإعطاء دياب هامش مهم في الظهور على الإعلام الفرنسي للتحدُّث عن حاجيات لبنان، إلا انه رفض وقتها وفُهم انه لا يريد مُساعدة فرنسية. عند إنفجار المرفأ قرّر الرئيس الفرنسي أخذ المُبادرة والمجيئ الى لبنان بمعزل عن موقف السلطة وإطلاق مُبادرته التي تتضمّن نفضة شاملة ( ورشة إصلاح كبيرة) وإعادة هيكلة الإدارة العامّة. كما أعتبر ان المعلومات المالية عن كل المسؤولين والوزارات والإدارات والهيئات موجودة في فرنسا ولكن لا يمكن إستخدامها خارج السياق القانوني. و أكّد نور الدين أن المبادرة الفرنسية تتضمّن مرحلة إنتقالية لضمان نجاحهها ومع ذلك فقد نجح ما سماه الفرنسين "تحالف الفساد والرعب" بإجهاضها وفُهم أن المشكلة هي مُشكلة إقليمية. كما أعتبر أن القضاء والأمن هي أولوية فرنسية لمكافحة الفساد المُستشري ويجب إبقاء هذه الأولوية بشكلٍ مُماثل في لبنان في سبيل تحقيق اي نحاح. وتساءل لماذا لا يتحرّك القضاء والامن اللبنانيين بالرغم من كل الإخبارات عن الفساد و المُفسدين وشدّد على أهمية أن يكون الملف القانوني كاملاً من كل النواحي ويأخذ بعين الاعتبار مسألة مرور الوقت التي لا تتجاوز الست سنوات في قضايا غسيل الاموال .
صالح:
النقيب السابق لخبراء المحاسبة في لبنان الأستاذ أمين صالح رأى أن مشروع موازنة الدوله للعام 2021 لا يعدو كونه جداول رقميه لا ترقى الا بالشكل الي موازنه دوله. إذ بينما لبنان من اوضاع اقتصاديه وماليه ونقديه واجتماعيه تهدّد كيان الوطن ووجوده وتتطّلب موازنه إستثنائيه للانقاذ الاقثصادي والمالي والنقدي والاجتماعي وتعالج اسباب إفلاس الدوله وانهيار نظامها المالي والنقدي والمصرفي ومايترتّب علي ذلك من إنكماش اقتصادي وارتفاع الاسعار وتضخم نقدي وإنهيار في سعر صرف الليرة اللبنانيه وتراجع القدرة الشرائيه للمداخيل وزيادة معدّلات الفقر والبطاله وإنهيار شبكه الأمان الإجتماعي وتسبّب في هذة المعاناه والماساة التي يعيشها لبنان. كانت كلها عوامل تتطلّب ان يكون هدف الموازنه الاول هو معالجه الدين العام وفوائدة. وكان يُفترض ايضاً ان تضمن الموازنه الاحكام القانونيه التي تُجيز إسترداد الاموال العامه المسروقه والمهدورة خاصه فوائد الدين العام التي دفعتها الحكومات اللبنانيه خلافاً للدستور والقانون وزيادة فوق معدلات الفوائد في الاسواق العالميه. وكان يقتضي ايضاً ان تضمين الموازنه نصاً قانونياً يجيز توزيع الخسائر الماليه المُلحقه بالدوله وبمصرفها المركزي علي جميع من استفاد من مكاسب ومغانم السلطه بدون وجه حق، ولاسيما منهم رجال السياسه وكبار الرأسماليين الذين لا يشكّلون اكثر من %2 من كبار المودعين في المصارف التجاريه، بالاضافه إلي محاسبه وملاحقه كل من تسبّب في إفلاس الدوله والبنك المركزي امام القضاء.
واضاف صالح، إن مشروع الموازنه للعام 2021 خالف الدستور والقانون فهو تجاوز المُهل الدستوريه المنصوص عليها في المادة 83 من الدستور اللبناني وخالف المادة 87 من الدستور، لانه لم يرفق به قطع حساب موازنه الدوله. والحكومه الآن تصرف النفقات العموميه علي اساس القاعدة الاثنى عشريه خلافاً لأحكام المادة 86 من الدستور .واذلك فإن مشروع الموازنه يخالف مبدأ الثانويه فهو يضم احكاماً قانونيه وتعديلات للقانون الضرائبي وقوانين الادارة العام يتجاوز العمل بها مدة سنه. وبذلك تكون هذه الاحكام مُخالفه للدستور. كما ان مشروع الموازنه يُخالف مبدء الشموليه اذ انه لا يشمل نفقات الدعم بل ان كلفه الدعم ملقاة علي عاتق المصرف المركزي، خلافاً لمبدء الفصل بين السياسه الماليه والنقديه. ولذلك ايضاً فإن مشروع مُوازنة 2021 هو عبارة عن جداول بالنفقات الجارية الإستهلاكية التي تجاوزت 89% من إجمال الموازنة، بينما لم يتجاوز الإنفاق الإستثماري 3.7%، في الوقت الذي يقتضي ان لا يقل هذا الانفاق عن ربع الموازنة في الحالة الحاضرة. ولذلك نرى أيضًا بأن مشروع الموازنة لا يزال يتبنّى كل السياسات السابقة التي اوصلت البلاد ألى الإفلاس فهو يستمرّ بدفع فوائد الدين العام، اذ خصّص لهذا البند 3131 مليار ليرة اي ما يعادل 16% من اجمالي الموازنة، ويستمرّ بدعم مؤسسة كهرباء لبنان بحوالي 7.6% من الموازنة. ويستمر أيضاً بتمويل الهيئات التي لا تتوخى الربح وعطاءات خاصة يستفيد منها نواب ووزراء وقادة سياسيين بحوالي 363 مليار ليرة لبنانية. كذلك يلحظ
المشروع نفقات مختلفةً غير مُصنّفة، بما لا يقل عن 658 مليار ليرة لبنانية، ويستمرّ أيضاً بدعم فوائد القروض ب 90 مليار ليرة لبنانية وهي قروض إستثمارية يستفيد منها الأغنياء والقادة السياسيين.
واضاف صالح مُداخلته بالقول، انّ هذه الموازنة هي موازنة للرواتب والأجور ومُخصّصات السلطات العامة ومعاشات تقاعد ومنافع اجتماعية للموظفين بلغت حوالي 53% من إجمالي الموازنة العامة. وانّ إرتفاع نسبة الرواتب في الموازنة لا يُعدّ إلى زيادة الرواتب والعطاءات للموظفين، انما يُعدّ الى تضخّم القطاع العام بالإعداد من المتعاقدين والمستشارين والموظفين على أساس الفاتورة وبالساعة الذين أدخلتهم القوى السياسية بدون مسوغ شرعي الى الإدارات والمؤسسات العامة، في حين يعمد مشروع الموازنة الى قظم الحقوق المُكتسبة للموظفين لجهة معاشات التقاعد والتعويضات العائلية وخفض درجة الإستشفاء وتأخير الحدّ الادنى لسنوات الخدمة التي تُجيز طلب التقاعد ولجهة إلغاء المعاش التقاعدي وحصره بتعويض نهاية الخدمة. في حين كان يقتضي تحقيق النظام المُوحدّ للعطاءات في القطاع العام وإعتماد نظام موحدّ للحماية الاجتماعية. ان معدي الموازنة وبإستمرار يعمدون ألى وضع نصوصً قانونية تمسّ الحقوق المكتسبة للعاملين في القطاع العام لتحقيق هدفين الأول هو تلبية شروط صندوق النقد الدولي والثاني هو إثارة قلق العاملين في القطاع العام ودفعهم الى الاحتجاج وذلك بغاية جذب الأنظار عن مرام السلطة في فرض ضرائب جديدة او زيادة ضرائب قائمة او منح إمتيازات ضريبية تحت عناوين حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمار.
كما تضمّن مشروع الموازنة اعفاءات ضريبية هي بمثابة امتيازات ضريبية لكبار الرأسماليين لاسيما شاغلي الأملاك العمومية البحرية وإعفاء من غرامات مالية من شأنها التشجيع على مخالفات القوانين الضريبية. وما سُمّي ضريبة التضامن الوطني هي ذر للرماد في العيون. فهي في الحقيقة إبراء ذمّة كبار المودعين الذين إستفادوا من القسم الاكبر من فوائد الدين العام بدون وجه حق والذين هرّبوا أمولهم الى الخارج وعرّضوا مكانة الدولة المالية للخطر. ولذلك إننا ندعو الحكومة المستقيلة وقد اجاز لها الدستور ذلك الاجتماع فورًا وإعداد موازنة للإنقاذ الوطني تُحقّق الأهداف التي يطرحها الشعب اللبناني كسبيل وحيد للخروج من نفق الإنهيار المُظلم. إننا نرى في هذا المشروع موازنة لسلطة فاشلة ونُهيب بالمسؤولين المبادرة بسرعة الى إعداد موازنة انقاذ حقيقي قبل ان تصبح الدولة فاشلة.
المرّ:
الخبير الإقتصادي البرفسور بشير المرّ. قال انه في خضم النقاش حول آلية وفعالية التدقيق الجنائي، يطرح السؤال نفسه: لِماذا التدقيق الجنائي؟ والوقائع الميدانية والأرقام الرسمية تُشير إلى إقترافات فاضحة تؤكّد الضرورة إلى تحقيق جزائي. فالتلهّي في وضع الترتيبات لتدقيق جنائي أضحى عامل إضاعة وقت يضاعف من مخاطر عدم إمكانية إسترجاع الأموال، وإن تمَّ بعد سنوات الكشف عنها. إن تطور مسار الأمور والوقائع يفيد أن المطلوب ليس تدقيق جنائي بل تحقيق جزائي ووظيفي،ومُساءَلَة سياسية ورفع الضغوط الخارجية.
فالأزمة الراهنة ليست بالأساس مالية، ولا نقدية، بل أزمة سيولة مصرفية ناجمة عن فساد مصرفي وسياسي تاريخي وعن حظر مالي ونقدي خارجي آني. وقد بدأ ذلك مع التلاعب بأسعار العملات بداية التسعينات (من 500 ل.ل. للدولار نهاية الحرب إلى 3200 ل.ل. نهاية 1992) واستُكِمل مع الفوائد الخيالية بالليرة (43%) التي أدّت إلى تراكم الدين العام بفعل خدمة الدين، وإلى تراكم سندات الخزينة في موجودات المصارف ومصرف لبنان. وحتى عندما فاقت أرقامها الدين العام نفسه قام مصرف لبنان بهندسات مالية وعمليات قروض وإقتراض جرمية مع المصارف، لتغطية ما قامت به المصارف من عمليات توزيع أرباح من الودائع مُقابل حسابات دفترية ووهمية فاضحة، لم ينجح بها في تفادي أزمة سيولة إضطرّت معها المصارف إلى تقديم عروضات فوائد مُفرطة بالليرة والدولار، ولَما جاء القرار الدولي بالحظر التام على حركة الأموال والقطع في لبنان، إستدعت من المصارف قرار جماعي لافت بوضع اليد على الودائع، والقيام بممارسات مُعلَنة، بدأً بالتقشف التامّ في تسليم الودائع، إلى فرض شرط تأمين السيولة النقدية لإتمام التحويلات الخارجية، إلى تقييد حركة التعامل المباشر بالشيكات المصرفية،… فما كان من المركزي إلا أن واكب خطواتها الجرمية هذه بهندسة نقدية تزيل مفاعيل الهندسات المالية السابقة، بإصداره تعاميم ملغومة أطاحت بالإستقرار النقدي والمالي، وأدّت إلى إعتماد مُثلّث أسعار قطع "رسمي – منصة – سوق سوداء"، حقق “Haircut" فعلي على الودائع وخفّض قيمتها الدفترية وقيمة الحسابات الوهمية في ميزانيات المصارف، وبرعايته الفاضحة لإعادة هيكلة ميزانياتها على حساب مخزون القطع والقدرة الشرائية للعملة الوطنية.
وقد رافق كل هذه الإرتكابات غياب رسمي وسياسي تامّ عن المعالجة، لا بل ثبات في سياسات الهدر والمحاصصة، وصمت المجلس النيابي عن أية مُساءلة ومُماطلته في التشريع، وغياب تامّ للقضاء المالي والهيئات الرقابية عن أي تحقيق أو محاسبة أو مكافحة لمنصات التلاعب بالعمُلات ولممارسات المصارف وللإحتكارات ولإستغلال الدعم.
واضاف المرّ، يتأكد اليوم أن التدقيق الجنائي ما هو إلا وسيلة إضافية لإضاعة الوقت وإعطاء براءة ذمّة للإقترافات المصرفية، بدأت بالمُماطلة أشهر طوال في ترتيبات تحضيرية سادها الجدل العقيم حول بديهيات في النصوص القانونية. فضلاً عن ذلك إن نتائج التدقيق الجنائي باتت مُتوقعة مُسبقاً، حيث أنه وطبقاً لطبيعته التقنية لن يلحظ توزيع أرباح جرمي، بل مجرد مُخالفات لقانون النقد والتسليف غراماتها مُتواضعة، ولن يظهر إقتطاع جرمي للودائع بل إيداعات وسحوبات طوعية. إذ أنه سوف يُسجل حركة أموال سابقة طبيعية، بأسعار قطع رسمية، بفوائد السوق المالية المحلية، وحيث لن يطال عمليات القطع من خارج الميزانية، وسوف يعتبر "عمليات السواب" عمليات مصرفية طبيعية.
فالإقترافات الفاضحة من الوقائع والأرقام باتت كافية لا بل مُلزِمة للمُباشرة بتحقيق جزائي مالي ووظيفي، يقتضي التالي:
– رفع الغطاء السياسي والمذهبي والخارجي عن الُمتورّطين.
– مُحاكمة المسؤولين عن الإقترافات المصرفية وإسترجاع المال المنهوب.
– تحرك الأجهزة الأمنية والرقابية والقضاء المالي والجزائي لتقصّي عمليات بيع وشراء وتزويد القطع في السوق السوداء، تعقّب عمليات تبادل الشيكات بين الأفراد والصيارفة والمصارف، كشف المنصات الوهمية لإعلان أسعار القطع في السوق السوداء، قبول الدعاوى بوجه المصارف لرفضها تحرير الودائع بعملاتها، والإدعاء على مُساهمي المصارف عن توزيع أرباح غير مُحَقَّقَة من الودائع.
– إجراء مُساءَلة سياسية للكتل النيابية عن تقاعصها في التشريع المالي والجزائي، خاصةً لجهة تحديث قانون النقد والتسليف وقانون العقوبات مع مفعول رجعي، وفي أداء واجبها في الرقابة والمحاسبة المالية.
– مُحاسبة الإهمال الوظيفي لدى الأجهزة والهيئات الرقابية لتماديها في التغاضي عن أداء مهامها الموجبة.
كما ويقتضي الأمر توسيع إطار الإتصالات الدبلوماسية والإستفادة من المبادرات الخارجية، ليس للحصول على مساعدات مالية موعودة، بل لمساندة سياسية وإجرائية لرفع القيود والضغوط الجيوسياسية الخارجية عن حركة العُمُلات والأموال، الكشف عن الأموال المنهوبة المحوّلة إلى الخارج والضغط على المصارف لإسترجاع الودائع الموزعة أرباحاً على مساهميها.