كلمة سماحة العلامة السيد علي فضل الله في "حديث الجمعة" التي جاء فيها:عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الباقر (ع)؛ هذا الإمام الذي ستمر علينا ذكرى ولادته في الأول من شهر رجب، والتي أشار بها لأحد أصحابه ونقلها عنه: "يا جابر! أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت (ع)؟! فوالله، ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهد للجيران.. وصدق الحديث.. وكفّ الألسن عن الناس، إلا من خير.. حَسْب الرجل أن يقول: أحب علياً وأتولاه، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول الله (ص)، فرسول الله (ص) خير من علي (ع)، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.. يا جابر! فوالله، ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع".
لقد أراد الإمام من خلال هذه الوصيَّة أن يعدِّل النظرة الشائعة عند البعض، ممن يعتقد أنه يكفي حتى يكون شيعياً أو موالياً أن يحب أهل البيت (ع). بأن يزورهم أو يقيم الموالد ومجالس العزاء والموائد على اسمهم، بل لا بدَّ إلى جانب هذا الحب أن يتمظهر في السلوك والمواقف، ليكون الشيعي هو من يتميز بطاعته لله، وبعبادته له وبصدقه وأمانته، وخدمته للمحتاجين من الفقراء والمساكين ومن أثقلتهم الديون.. وبأن يكون علامة فارقة بين الناس في سلوكه وأخلاقه وحسن منطقه، بحيث يترك أثراً طيباً حيثما حل وأينما حل ووجد.. ومتى حصل ذلك، سيكون أكثر عطاءً ومسؤوليةً وقدرةً على مواجهة التحديات…
والبداية من لبنان الذي لا يزال من يديرون الواقع السياسي فيه يهدرون الوقت في انتظار حلول تأتي من الخارج لعلاج أزمات هذا البلد على كل الصعد.. في الوقت الذي أصبح واضحاً وبما لا يقبل الشك أن الحل هو بأيديهم، فعليهم أن يبادروا إليه.. فالخارج الغارق في مشاكله ومصالحه لن يساعد بلداً لا تزال الحكومة فيه عالقة على أبواب المصالح الذاتية والحسابات الخاصة، وحيث لا يريد أي منهم أن يتقدم خطوة باتجاه الآخر، رغم وعيهم بالمخاطر التي قد تتصاعد على هذا البلد وعلى إنسانه، وحيث لا إرادة جدية في الإصلاح ومعالجة مكامن الفساد والهدر..
ومن هنا، فإننا نعيد التأكيد على كل من هم في مواقع المسؤولية أن يرأفوا بهذا البلد وإنسانه، فكفى هدراً للوقت فيه ولاقتصاده وما تبقى من قدراته المالية وطاقات أبنائه ومستقبلهم..
فأنتم معنيون بإيجاد الحلول والحل لن يكون إلا عندما تخرجون من أنانياتكم وحساباتكم الخاصة، ويكون حسابكم الوحيد في كل مواقعكم التي أنتم فيها هو إنسان هذا الوطن ومستقبله وإبقاء هذا البلد عزيزاً حراً.. وعند ذلك لن يحتاج اللبنانيون حتى يحلوا مشاكلهم إلى رعاية الأمم المتحدة وإلى ضغوط من هذه الدولة أو تلك، أو إلى قرارات مجلس الأمن والتي لن تحصل وهي غير واقعية.
ونبقى على صعيد معاناة إنسان هذا البلد، لنعيد التذكير بأزمة الطلاب الذين يتخصصون في الخارج والذين انقطعت بهم السبل بسبب عدم قدرة أهلهم على تأمين متطلباتهم لمتابعة تعليمهم، بعد الارتفاع المتزايد لأسعار الدولار، وعدم قيام المصارف بتأمين الدولار لهم على أسعار السعر الرسمي رغم قرار المجلس النيابي الذي أقر بحقهم في ذلك، مما قد يؤدي حرمان هؤلاء الطلاب من إكمال عامهم الدراسي ومتابعة تعليمهم.
ونحن في هذا المجال، ندعو الدولة إلى تحمل مسؤوليتها والضغط على المصارف وأن لا تدع الأهالي يتسكعون على أبوابها ويعانون الإذلال بسبب ذلك.
فيما يستمر الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والمواد الغذائية والضرورية للمواطنين.. ومن هنا فإننا ندعو وزارة الاقتصاد إلى تشديد الرقابة على التجار ومنع احتكار السلع المدعومة والإسراع بالتقديمات الضرورية للعائلات الفقيرة والتي تتزايد أعدادها يوماً بعد يوم، وإخراجها من التجاذبات والمحاصصات.
وفي مجال آخر، نحذر من الكلام الانفعالي والتفلت في كيل الاتهامات والتي غالباً ما لا تستند إلى أساس أو دليل أو إلى منطق والتي تتداولها وسائل الإعلام ومواقع التواصل، والذي إن استمر سيؤدي إلى توسعة دائرة الخلاف والانقسام بين اللبنانيين، وقد يدخل على خط هذا التوتر من يريد العبث بهذا البلد وبأمنه واستقراره..
إننا نرى أن من حق أي فريق أن يعبر عن رأيه، فهذا بلد الحرية، وينبغي أن يبقى كذلك، لكن شرط ذلك أن يتحلى بالموضوعية وبالأسلوب الأحسن وبالكلام العقلاني الهادئ الذي يحرك العقول ولا يثير العصبيات والغرائز ولا يزيد البلد توتيراً..
وبالانتقال إلى الاتفاق الذي جرى بين الفصائل الفلسطينية لرأب الصدع فيما بينها، ولإجراء الانتخابات التشريعية ورسم آليات وخارطة طريق لإنجاز الوحدة الوطنية..
فإننا ننوه بأي اتفاق يعزز وحدة الشعب الفلسطيني، ونرى فيه سبيلاً أفضل لمواجهة مخططات العدو الصهيوني لإنهاء القضية الفلسطينية الذي استفاد ويستفيد من حالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية ومن عدم وجود إرادة وطنية واحدة في الساحة الفلسطينية.
وبالانتقال إلى اليمن حيث تستمر الحرب بتداعياتها الداخلية والخارجية، فإننا نضم صوتنا إلى كل الأصوات الداعية لوقف هذه الحرب العبثية، وتأييد كل مبادرات الخير الداعية لإنهائها على قاعدة حفظ حقوق الشعب اليمني وحريته وكرامته وسلامه وأمنه ومستقبله.
وأخيراً، وفي مناسبة انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني(رض)، نتوجه بالتهنئة والتبريك للشعب الإيراني وقيادته بهذه الثورة التي جعلت الشعب الإيراني يعيش حريته واستقلاله، وساهمت في تطوره على مختلف المجالات وعلى كل الصعد، رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهها، وبعثت الحياة في الشعوب المستضعفة والمقهورة وأكدت لها أنها قادرة على الإمساك بقرارها وثرواتها والانعتاق من هيمنة الدول المستكبرة.. وهي قدمت الكثير ولا تزال من أجل نصرة قضاياها ومساعدتها ولا سيما الشعب الفلسطيني المقهور والمظلوم، ولم يكن لبنان ببعيد عنها في مواجهة العدو الصهيوني وغطرسته..