بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
الانتخاباتُ واحدةٌ من أَجَلِّ الصور وأكثرها تعبيراً عن التطور والمدنية والحداثة، والقبول بالتعددية والعيش المشترك في ظل الديمقراطية، وهي ميزة تمنح للأمم التي تؤمن بها وتخوضها، وتقبل نتائجها وتلتزم بمخرجاتها، ولا تثور عليها ولا تنقلب على من يفوز بها، وهي مظهر حضاري سامٍ لا تتصف بها كل الشعوب، ولا تتحلى بها كل الأمم، ذلك أنه يلزمها النزاهة والمصداقية، والوضوح والشفافية، وتكافؤ الفرص والتنافس الحر الشريف، بعيداً عن الغش والتزوير وشراء الأصوات واستغلال الحاجات.
الفلسطينيون وإن كانوا يعيشون في ظل الاحتلال، ويخوضون معركة التحرير والمقاومة، إلا أنهم يؤمنون بالديمقراطية، ويخوضون التجارب الانتخابية ويمارسونها دورياً وبانتظامٍ، ضمن المهل القانونية ووفق القوانين المحلية، في الجامعات والنقابات والهيئات والاتحادات، كما في الأحزاب والمنظمات، ولهذا فإنهم يستحقون خوض انتخاباتٍ تشريعية، لاختيار من يمثلهم في المجلسين التشريعي والوطني اختياراً حراً نزيهاً، لا يخضعون فيها للضغط والإكراه، ولا للاستمالة والشراء.
كما أن من حقهم الطبيعي أن يختاروا رئيسهم للمرحلة القادمة، على أن يلتزم القانون الأساسي، ويحترم المهل الدستورية، فلا يمدد لنفسه، ولا ينتهك الدستور ويعطل المؤسسات الشرعية ويصادر صلاحياتها، ويحل مكانها بالقرارات والمراسيم التي تفتقر إلى الشرعية الدستورية وقوة القانون.
لعل الفلسطينيين اليوم في أمس الحاجة إلى الانتخابات بكل مستوياتها، المحلية البلدية، والتشريعية البرلمانية بغرفتيها، والرئاسية على مستوى الوطن كله، على أن تكون حرة نزيهة، يتنافس فيها المرشحون وفق ضوابط وطنية تحددها ثوابت الشعب والقضية، فلا يجوز أن يترشح فيها متعاونون مع الاحتلال، ولا منسقون معه ومرتبطون به، فالاحتلال الإسرائيلي له برامجه ولديه أدواته وآلياته، وعنده من يعمل له ويمثله، ويحمل أفكاره ويدافع عن سياسته، وقد يشكل قوائمه بطريقته الخاصة، وله في صناعتها تجربة وخبرة، فلا ينبغي أن يكون لهؤلاء قوائم انتخابية، ولا فرصاً لترشيح أنفسهم، إذ أنهم يمثلون الاحتلال ولا يمثلون الشعب الفلسطيني، ويعبرون عن سياسة الاحتلال وينطقون باسمه، وهم للأسف كثيرون بيننا، نعرف بعضهم ويخفى كثيرٌ منهم علينا.
ولعله من نافلة القول وبداهة العقل أن نقول أن العدو الإسرائيلي لا يرجو لنا خيراً، ولا يتمنى بيننا سلاماً، ولا يحرص على انتهاء الانقسام المقيت وصراع الأخوة المشين، ولا يتمنى دفن الخلافات وتوقف التراشقات المخزية والسياسات الكيدية، ولا يأمل أن نتوصل إلى اتفاق مصالحةٍ وطنيةٍ، يجتمع تحت ظلها شمل شعبنا وتتحد كلمته، وتتفق سياسته، وتنتهي همومه وتحل مشاكله، ويصبح قادراً على مواجهته، ومستعداً لمقاومته صفاً واحداً وإرادةً قويةً مشتركةً، حيث يكون حينها جاهزاً لاستعادة مكانته العربية والإسلامية التي فقدها بالانقسام وشوهها بالاقتتال، ويكون قادراً على إعادة رسم صورته البراقة الجميلة التي كانت له، والتي تغنى بها العرب والمسلمون وافتخروا بها، صورة الشعب المقاوم العربي الأبي الصامد العنيد، الجبار المقاتل المبدع الذي لا يواجه الصعب ويتحدى المستحيل.
لا ينبغي أن نعطي أحداً الفرصة لإلغاء الانتخابات، أو تأجيلها وعرقلتها، فهذا الاستحقاق الوطني يجب أن يتم حتى نهايته، ضمن المحددات الوطنية التي سيتم الاتفاق عليها، وتثبيتها فيما بين قوى الشعب كميثاق شرف ولائحة وطن، فلا يجوز للرئيس أن يتراجع في كلمته فيلغي الانتخابات أو يؤجلها، ولا أن يهدد المتنافسين ويبتزهم، ليجبرهم على تقديم التنازلات والقبول بما يعرضه، كما لا يحق له أن يبتدع قوانين يرهن بها نتائجها لمحكمةٍ يشكلها، أو لجنةٍ يشرف عليها، فهو وإياهم على الحياد التام منها، فلا ينبغي له التدخل فيها ولا التأثير عليها، بل يجب عليه أن يكلف الحكومة بتنظيمها والإشراف عليها، دون أن تكون له الوصاية عليها أبداً.
كما لا ينبغي أن نسمح للاحتلال بتقويضها وتعطيلها، والتأثير عليها وضبطها وفق معاييره، فلا استثناء للقدس ولا حرمان لمواطنيها من ممارسة حقهم في الانتخاب الحر المباشر في مدينتهم، فلا صناديق بريدية، ولا برامج تواصل اجتماعية، ولا تفويض لغيرهم، ولا انتقال إلى مناطق أخرى تخصص فيها صناديق لهم، ولا ينبغي السماح له بتغييب المرشحين أو اعتقال الفائزين، للتأثير على سير العملية الانتخابية أو تعطيل نتائجها، وعلى قيادة السلطة الفلسطينية أن تحصل على ضماناتٍ دوليةٍ وتعهداتٍ إقليمية بضبط الاحتلال ومنعه من التأثير على العملية الانتخابية سواء بالمنع أو الاعتقال.
نحنٌ الفلسطينيين شعبٌ حرٌ وسيدٌ وإن كنا نعيش تحت الاحتلال ونعاني منه، وكما نرفض أن يمارس علينا سلطاته ويفرض علينا سياسته، فإننا في الوقت نفسه نرفض أي تدخلاتٍ عربيةٍ تحت أي حجةٍ أو مبررٍ، فلا ينبغي للدول العربية القريبة والبعيدة، المباشرة للشأن الفلسطيني أو المراقبة له، أن تتدخل في العملية الانتخابية، فتفرض مرشحين وتستبعد آخرين، وتفترض نتائج وترسم مساراتٍ، بل يجب عليها أن تترك الشعب الفلسطينية يمارس حقه الانتخابي بكل حريةٍ واستقلاليةٍ، يحدد من خلالها باستقلاليةٍ تامةٍ خياراته وتطلعاته، وهو على ذلك قادرٌ ويستطيع، ويرفض أن يمارس عليه أحد الولاية أو الوصاية أو الحجر والتوجيه.
يجب على الفلسطينيين أن يفوتوا الفرصة على كل القوى لإحباط انتخاباتهم، ومصادرتهم حقهم، وسلبهم أداتهم الوطنية، إذ أنهم بمشاركتهم الفاعلة في الانتخابات يحققون كسباً لأنفسهم وانتصاراً على عدوهم، وتأكيداً لعمقهم العربي والإسلامي أنهم على قدر المسؤولية والأمانة، وأنهم يستحقون الدعم والمساندة، ولعل هذا لا يكون بغير الإقبال على المشاركة بكثافةٍ وإحساسٍ بالمسؤولية والأمانة، وتقديرٍ للمصلحة الوطنية والحاجة الشعبية، فلا يستخفوا بأصواتهم، ولا يستهينوا بمشاركتهم، ولا يتكاسلوا عن واجبهم، ولا يترددوا في اختيار من يناسبهم، ولا يعطلوا عقولهم ويركنوا إلى رأي غيرهم، فالتصويت حقٌ فردي وتعبيرٌ شخصي، يُقدر فاعله ويُدان تاركه.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
الانتخاباتُ واحدةٌ من أَجَلِّ الصور وأكثرها تعبيراً عن التطور والمدنية والحداثة، والقبول بالتعددية والعيش المشترك في ظل الديمقراطية، وهي ميزة تمنح للأمم التي تؤمن بها وتخوضها، وتقبل نتائجها وتلتزم بمخرجاتها، ولا تثور عليها ولا تنقلب على من يفوز بها، وهي مظهر حضاري سامٍ لا تتصف بها كل الشعوب، ولا تتحلى بها كل الأمم، ذلك أنه يلزمها النزاهة والمصداقية، والوضوح والشفافية، وتكافؤ الفرص والتنافس الحر الشريف، بعيداً عن الغش والتزوير وشراء الأصوات واستغلال الحاجات.
الفلسطينيون وإن كانوا يعيشون في ظل الاحتلال، ويخوضون معركة التحرير والمقاومة، إلا أنهم يؤمنون بالديمقراطية، ويخوضون التجارب الانتخابية ويمارسونها دورياً وبانتظامٍ، ضمن المهل القانونية ووفق القوانين المحلية، في الجامعات والنقابات والهيئات والاتحادات، كما في الأحزاب والمنظمات، ولهذا فإنهم يستحقون خوض انتخاباتٍ تشريعية، لاختيار من يمثلهم في المجلسين التشريعي والوطني اختياراً حراً نزيهاً، لا يخضعون فيها للضغط والإكراه، ولا للاستمالة والشراء.
كما أن من حقهم الطبيعي أن يختاروا رئيسهم للمرحلة القادمة، على أن يلتزم القانون الأساسي، ويحترم المهل الدستورية، فلا يمدد لنفسه، ولا ينتهك الدستور ويعطل المؤسسات الشرعية ويصادر صلاحياتها، ويحل مكانها بالقرارات والمراسيم التي تفتقر إلى الشرعية الدستورية وقوة القانون.
لعل الفلسطينيين اليوم في أمس الحاجة إلى الانتخابات بكل مستوياتها، المحلية البلدية، والتشريعية البرلمانية بغرفتيها، والرئاسية على مستوى الوطن كله، على أن تكون حرة نزيهة، يتنافس فيها المرشحون وفق ضوابط وطنية تحددها ثوابت الشعب والقضية، فلا يجوز أن يترشح فيها متعاونون مع الاحتلال، ولا منسقون معه ومرتبطون به، فالاحتلال الإسرائيلي له برامجه ولديه أدواته وآلياته، وعنده من يعمل له ويمثله، ويحمل أفكاره ويدافع عن سياسته، وقد يشكل قوائمه بطريقته الخاصة، وله في صناعتها تجربة وخبرة، فلا ينبغي أن يكون لهؤلاء قوائم انتخابية، ولا فرصاً لترشيح أنفسهم، إذ أنهم يمثلون الاحتلال ولا يمثلون الشعب الفلسطيني، ويعبرون عن سياسة الاحتلال وينطقون باسمه، وهم للأسف كثيرون بيننا، نعرف بعضهم ويخفى كثيرٌ منهم علينا.
ولعله من نافلة القول وبداهة العقل أن نقول أن العدو الإسرائيلي لا يرجو لنا خيراً، ولا يتمنى بيننا سلاماً، ولا يحرص على انتهاء الانقسام المقيت وصراع الأخوة المشين، ولا يتمنى دفن الخلافات وتوقف التراشقات المخزية والسياسات الكيدية، ولا يأمل أن نتوصل إلى اتفاق مصالحةٍ وطنيةٍ، يجتمع تحت ظلها شمل شعبنا وتتحد كلمته، وتتفق سياسته، وتنتهي همومه وتحل مشاكله، ويصبح قادراً على مواجهته، ومستعداً لمقاومته صفاً واحداً وإرادةً قويةً مشتركةً، حيث يكون حينها جاهزاً لاستعادة مكانته العربية والإسلامية التي فقدها بالانقسام وشوهها بالاقتتال، ويكون قادراً على إعادة رسم صورته البراقة الجميلة التي كانت له، والتي تغنى بها العرب والمسلمون وافتخروا بها، صورة الشعب المقاوم العربي الأبي الصامد العنيد، الجبار المقاتل المبدع الذي لا يواجه الصعب ويتحدى المستحيل.
لا ينبغي أن نعطي أحداً الفرصة لإلغاء الانتخابات، أو تأجيلها وعرقلتها، فهذا الاستحقاق الوطني يجب أن يتم حتى نهايته، ضمن المحددات الوطنية التي سيتم الاتفاق عليها، وتثبيتها فيما بين قوى الشعب كميثاق شرف ولائحة وطن، فلا يجوز للرئيس أن يتراجع في كلمته فيلغي الانتخابات أو يؤجلها، ولا أن يهدد المتنافسين ويبتزهم، ليجبرهم على تقديم التنازلات والقبول بما يعرضه، كما لا يحق له أن يبتدع قوانين يرهن بها نتائجها لمحكمةٍ يشكلها، أو لجنةٍ يشرف عليها، فهو وإياهم على الحياد التام منها، فلا ينبغي له التدخل فيها ولا التأثير عليها، بل يجب عليه أن يكلف الحكومة بتنظيمها والإشراف عليها، دون أن تكون له الوصاية عليها أبداً.
كما لا ينبغي أن نسمح للاحتلال بتقويضها وتعطيلها، والتأثير عليها وضبطها وفق معاييره، فلا استثناء للقدس ولا حرمان لمواطنيها من ممارسة حقهم في الانتخاب الحر المباشر في مدينتهم، فلا صناديق بريدية، ولا برامج تواصل اجتماعية، ولا تفويض لغيرهم، ولا انتقال إلى مناطق أخرى تخصص فيها صناديق لهم، ولا ينبغي السماح له بتغييب المرشحين أو اعتقال الفائزين، للتأثير على سير العملية الانتخابية أو تعطيل نتائجها، وعلى قيادة السلطة الفلسطينية أن تحصل على ضماناتٍ دوليةٍ وتعهداتٍ إقليمية بضبط الاحتلال ومنعه من التأثير على العملية الانتخابية سواء بالمنع أو الاعتقال.
نحنٌ الفلسطينيين شعبٌ حرٌ وسيدٌ وإن كنا نعيش تحت الاحتلال ونعاني منه، وكما نرفض أن يمارس علينا سلطاته ويفرض علينا سياسته، فإننا في الوقت نفسه نرفض أي تدخلاتٍ عربيةٍ تحت أي حجةٍ أو مبررٍ، فلا ينبغي للدول العربية القريبة والبعيدة، المباشرة للشأن الفلسطيني أو المراقبة له، أن تتدخل في العملية الانتخابية، فتفرض مرشحين وتستبعد آخرين، وتفترض نتائج وترسم مساراتٍ، بل يجب عليها أن تترك الشعب الفلسطينية يمارس حقه الانتخابي بكل حريةٍ واستقلاليةٍ، يحدد من خلالها باستقلاليةٍ تامةٍ خياراته وتطلعاته، وهو على ذلك قادرٌ ويستطيع، ويرفض أن يمارس عليه أحد الولاية أو الوصاية أو الحجر والتوجيه.
يجب على الفلسطينيين أن يفوتوا الفرصة على كل القوى لإحباط انتخاباتهم، ومصادرتهم حقهم، وسلبهم أداتهم الوطنية، إذ أنهم بمشاركتهم الفاعلة في الانتخابات يحققون كسباً لأنفسهم وانتصاراً على عدوهم، وتأكيداً لعمقهم العربي والإسلامي أنهم على قدر المسؤولية والأمانة، وأنهم يستحقون الدعم والمساندة، ولعل هذا لا يكون بغير الإقبال على المشاركة بكثافةٍ وإحساسٍ بالمسؤولية والأمانة، وتقديرٍ للمصلحة الوطنية والحاجة الشعبية، فلا يستخفوا بأصواتهم، ولا يستهينوا بمشاركتهم، ولا يتكاسلوا عن واجبهم، ولا يترددوا في اختيار من يناسبهم، ولا يعطلوا عقولهم ويركنوا إلى رأي غيرهم، فالتصويت حقٌ فردي وتعبيرٌ شخصي، يُقدر فاعله ويُدان تاركه.