تواصل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب إنفاذ ولايتها القانونية المتمثلة في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على لبنان، والمتابعة بجميع الوسائل المتاحة لوضع حدّ للإفلات من العقاب، عملاً بأحكام المادّة 16 من القانون رقم 62 / 2016.
وتقوم الهيئة ببحث الهجمات الإسرائيلية لتقييم ما إذا كانت قد وُجِّهت ضد أهداف عسكرية واحترمت مبدأ التناسب. ولقد خلصت الهيئة في 107 هجمات حققت فيها إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت اعتداءات على المدنيين الفارين، وسيارات الإسعاف والمنشآت الصحية، والتشريد الواسع النطاق، وتدمير المنازل والممتلكات، ولقد حددت في أن ما لا يقل عن 70 من هذه الأعمال تشكل جرائم حرب.
وقالت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أنها تحقق بشكل مكثف فيما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد استخدم القنابل العنقودية المحظورة للمرة الأولى منذ بدء الهجمات الإسرائيلية ضد لبنان في 23 أيلول/ سبتمبر 2024.
ودعت الهيئة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” إلى أن تقدم على الفور معلومات وأدلة موثقة بالصور او بالادلة الحسية المباشرة حول صحة استخدام هذه القنابل، ليتم فحص هذه الادلة والتحقق من تصنيفها ضمن قائمة القنابل العنقودية المحظورة وتحديد طرازها وتاريخ صنعها، وما اذا كانت صناعة إسرائيلية او من انتاج دول اخرى.
أفادت العلاقات الإعلامية في حزب الله بأنه في يوم 15 أكتوبر 2024، بين الساعة 12:30 و2:00 مساءً، أطلقت القوات الإسرائيلية صواريخ محملة بقنابل عنقودية محظورة دوليًا على وادي الخنزير في وادي الحجير، وفي خلّة راج الواقعة بين علمان ودير سريان، شرق علمان باتجاه المناطق الحرجية. كما أعلن في وقت سابق عن مزاعم استخدام قنابل عنقودية من قبل القوات الاسرائيلية في المنطقة الواقعة بين حانين والطيري.
ودعت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان السكان المحليين إلى تقديم أي دليل بحوزتهم حول وجود قنابل عنقودية في المناطق التي يتواجدون فيها، على أن تحافظ الهيئة على مأمونية وسلامة وخصوصية من يبادر إلى إرسال مثل هذه الادلة.
وقال فادي جرجس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان: “إن إطلاق ذخائر عنقودية في مناطق مدنية هو جريمة حرب، ويؤدي إلى خسائر لا تُحصى في الأرواح ويخلف إصابات ومعاناة لا حصر لها.”
وأضاف: “إن الذخائر العنقودية أسلحة بطبيعتها عشوائية، ويُحظر استخدامها في أي ظرف بموجب القانون الإنساني الدولي. ونجدد دعوتنا لقوات الاحتلال الاسرائيلي لوقف استخدام هذه الذخائر فوراً، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين”.
ويتم إطلاق الذخائر العنقودية بالصواريخ أو المدفعية التي تحتوي على ذخائر صغيرة متفجرة تنتشر عشوائيا فوق منطقة واسعة. وكثير من هذه الذخائر الصغيرة غالباً ما تخفق في التفجير، ويمكن أن تبقى غير منفجرة على الأرض، مما يشكل تهديداً لسنوات بعد انتهاء الصراع.
“إطلاق ذخائر عنقودية في مناطق مدنية هو جريمة حرب، ويؤدي إلى خسائر لا تُحصى في الأرواح ويخلف إصابات ومعاناة لا حصر لها.”
فادي جرجس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان
الذخائر العنقودية هي أسلحة عشوائية بطبيعتها تسبب المعاناة للسكان المدنيين بعد سنوات من استخدامها، وهي محظورة دولياً بموجب معاهدة تضم 112 دولة طرف ومن بينها لبنان و 12 دولة موقعة.
تقوم الذخائر العنقودية بنثر مئات القنابل أو الذخائر الصغيرة على مساحة واسعة. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 و20 بالمائة منها لا تنفجر مباشرةً. وبعد تركها، تشكل تهديداً للمدنيين يشبه تهديد الألغام الأرضية المضادة للأفراد.
إن استخدام هذه الأسلحة ينتهك حظر الهجوم العشوائي بسبب المساحات الواسعة التي تغطيها القنابل الصغيرة الكثيرة التي يتم إطلاقها، والخطر التي تشكله على كل من يلامس الذخائر غير المنفجرة.
وفقاً لاحصاءات “مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية“، عالميًا، قُتل أو أُصيب 219 شخصًا بسبب الذخائر العنقودية في عام 2023. تم تسجيل إصابات جديدة ناجمة عن الذخائر العنقودية في تسع دول—هي أذربيجان، العراق، لاوس، لبنان، موريتانيا، ميانمار، سوريا، أوكرانيا، واليمن—في عام 2023. ومن إجمالي الإصابات المبلغ عنها في عام 2023، تسببت الهجمات بالذخائر العنقودية في 118 إصابة، بينما كانت 101 إصابة ناجمة عن بقايا الذخائر العنقودية. استمرت الذخائر العنقودية وبقاياها في التأثير بشكل غير متناسب على المدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك المدارس، والمستشفيات، والأراضي الزراعية. شكّل المدنيون 93% من إجمالي الإصابات المسجلة لعام 2023، حيث تم تسجيل الوضع المدني.
منذ عام 2023، ارتفع عدد الدول التي تنتج الذخائر العنقودية من 16 دولة—وهي البرازيل، الصين، مصر، اليونان، الهند، إيران، إسرائيل، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية، باكستان، بولندا، رومانيا، روسيا، سنغافورة، تركيا، والولايات المتحدة—إلى 17 دولة بعد انضمام ميانمار إلى قائمة الدول المنتجة. ولا يُعد أي من هذه الدول طرفًا في الاتفاقية.
خلفية
يضع القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضاً باسم “قانون الحرب” أو “قانون النزاعات المسلحة”، قواعد مفصّلة ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلّحة لأسباب إنسانية. ويحمي القانون الدولي الإنساني خاصة أولئك الذين لا يشاركون أو كفّوا عن المشاركة في القتال ويضع قيوداً على أساليب ووسائل الحرب. والقانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد العالمية. ويتألف القانون الدولي الإنساني من معاهدات دولية وقواعد عرفية المقصد منها معالجة القضايا الإنسانية الناجمة مباشرة عن النزاعات المسلحة، سواء الدولية أو غير الدولية. وتمثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعامي 1977 و 2005 صلب معاهدات هذا القانون.
توجد معاهدات دولية أخرى تحظر استخدام وسائل وأساليب معينة للحرب وتحمي فئات معينة من الأشخاص والأعيان من آثار الأعمال العدائية، وتشمل هذه المعاهدات ما يلي:
بروتوكول عام 1925 الخاص بحظر الإستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها.
اتفاقية عام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وبروتوكولها لعام 1954 و1999 .
اتفاقية عام 1972 المتعلقة بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية (البيولوجية) والسموم وتدميرها.
اتفاقية عام 1976 لحظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى.
اتفاقية عام 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معيّنة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. وهذه الاتفاقية هي إطار تكمّله خمسة بروتوكولات تحكم استعمال فئات معيّنة من الأسلحة.
اتفاقية عام 1993 بشأن حظر استحداث وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة.
اتفاقية عام 1997 بشأن استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام (والتي يُطلق عليها اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد).
البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل لعام 2000 بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة.
الاتفاقية الدولية لعام 2006 بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
اتفاقية عام 2008 بشأن الذخائر العنقودية.
إلى جانب الاتفاقيات يظل القانون العرفي مصدراً مهماً من مصادر القانون الدولي الإنساني. وبوسع هذا القانون سد الفجوات في المواضيع التي لا ينطبق فيها القانون التعاهدي.