ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الخلق خاتم النبيين أجمعين سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.
والسلام عليكم أيها الاخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته..
وفي البدايةِ أُريدُ أن أباركَ للبنانيينَ وبالأخصِّ للمقاومةِ وللشهداءِ ولأهاليهِم وللمسؤولينً اللبنانيينَ الانتصارَ بتحريرِ آخر للثروةِ البحريةِ في المنطقةِ الجنوبيةِ المحاذيةِ للحدودِ الفلسطينيةِ المحتلة، وإجبارِ العدوِ الإسرائيليِ المحتلِ على الاعترافِ للبنانِ بهذا الحقّ، كما أباركُ لهم فكًّ الحصارِ الاقتصادي عن لبنان الذي يُعدُّ انتصاراً آخر في المواجهةِ التي خيضَت ضدَّ المقاومةِ بهدفِ تأليبِ الرأيِ العامِّ اللبنانيِ ودفعِه لمواجهةِ هذهِ المقاومةِ وإجبارِها على الخضوعٍ لتطبيقِ شعارٍ نزعِ سلاحِ المقاومةِ.
أيها الاخوة، اليومَ سقطَ شعارُ نزعِ سلاحِ المقاومة، هذا السلاحُ الذي كان وراءَ هذين الانتصارين اللذين تحققا رسمياً بالأمسٍ، كما كانا وراءَ انتصارِ تحريرِ جنوبِ لبنان وانتصارِ حربٍ 2006 وانتصارِ تحقيقِ الردعِ للعدوِ الاسرائيلي عن الاعتداءِ على سيادةِ لبنان وعلى مدنٍه وقراه وسكّانِه، وانتصارِ الحربِ على داعشَ الإرهابيةِ في الجرودِ على الحدودِ الشرقيةٍ للبنان الذي حققته ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
أيها الإخوة، أيتها الاخوات، أيها اللبنانيون..على الرغم من عظمةٍ كل الانتصاراتِ السابقةِ التي عدّدناها، يمثّلُ انتصارُ تحريرِ الثرواتِ البحريةِ اليومَ قمةَ هذه الانتصاراتِ، وأهمها الذي تحقّقَ بمجردِ التهديدِ بالحرب، هذا التهديدُ الذي شكّلَ الأرضيةَ الصلبةَ التي وقفَ عليها المسؤولونَ الممسكونَ بملفِ التفاوضِ الذين تيقنوا أن المقاومةَ تشكّلُ قوةً حقيقيةً يمكنُ الركونَ اليها، وهذا اليقينُ منهم لم يحصلْ من فراغٍ، وإنّما تكوّنَ نتيجةَ التراكمِ لسلسةِ الانتصاراتِ التي حققتها المقاومةُ وأثبتَت ضعفَ العدوٍ الإسرائيليِ الذي ظلّ منذ هزيمتٍه في حربِ تموز 2006 وحتى هذا التاريخِ يحاولُ استعادةَ الثقةَ بنفسِهِ دونَ جدوى، وباعترافِ قادتهِ العسكريينَ الذين كانوا الأساسَ الذي استندَ اليه القرارُ السياسيُ الأخير للعدوِ بالقبولِ بهذه الهزيمةٍ مجدداً على الرغمِ من الظروفِ الدوليةِ الحاليةِ التي أرادَ البعضُ تضليلاً أن يقنعَنا بأنها كانت العاملَ الحاسمً في قبولِ العدوِ بالتوقيعِ على وثيقةِ هزيمتِه، وهو الحاجةُ الى غازِ شرقِ البحرِ الأبيضِ المتوسط.
هذا البعضُ من بقايا النظامِ السابقِ الذي ربطَ قرارَهُ ووجودَهُ بقرارِ الطاغوتِ الدوليِ، ولم يستطعْ أن يخرجَ من هذه التبعيةِ ومن هزيمتهِ النفسيةِ، وما زال حتى الآن يراهنُ وينتقلُ بالمواجهةِ من أسلوبٍ الى آخرَ ومن طريقةٍ الى أخرى، لأنه آمنَ بأن الغلبةَ للشيطانِ ولكيدهِ ولحرصهِ على الحياةِ ولو على حسابِ الكرامةِ ولعدمِ الاستعدادِ لتحمّلِ ثمنِ المواجهةٍ، لأن الكرامةَ ثمنُها الدمُ والشهادةُ، ولهذا لا يَحسُّ هؤلاء بقيمةِ هذا الانتصارِ، وإنما بطعمِ الهزيمةِ العلقمِ، وقد خاضوا الحربَ ضدًّ المقاومةِ وجهدوا أن يؤلّبوا اللبنانيينَ وشعبَ لبنان على المقاومةِ مستخدمينَ أقذرً الأساليبِ من تخويفِ الطوائفِ وتحميلِ المقاومةِ تبعاتِ الحصارِ الاقتصاديِ والتجويعٍ واختلاقِ الأزماتِ الاقتصاديةِ وضربِ العملةِ الوطنيةِ ونهبِ أموالِ المودعينَ وتركِ الشعبِ اللبنانيِ نهباً للمحتكرينَ في أقذرٍ حربٍ شُنّت على الشعبٍ اللبناني، هي حربٌ مركّبةٌ من النظامِ الطائفيِ، و تآمرٌ مع الإرادةِ الخارجيةِ حمايةً للعدوِ الإسرائيليِ وتنفيذاً لمشروعِ حمايةِ إسرائيل تحتَ شعارِ حمايةِ الأقليات، المشروُع الذي أُفشِلَ بفضلِ هذه المقاومةِ الصلبةِ والعنيدة.
لذلك أيها الاخوة، إنّ هذا الانتصارً جاءَ نتيجةَ هذه التضحياتِ الكبيرةِ والدماءِ الزاكيةِ والمعاناةِ التي تحمّلَّها أهلُنا الغيارى والمُضحّينَ والصابرين بفعل الايمان بالله وان كيد الشيطان كان ضعيفاً، فأنتم تعرفونَ قيمةَ هذا النصرِ وتستحقونَ ان تحتفلوا به كأعظمِ انتصارٍ حقّقتموه حتى الآن.
وفي الوقتِ الذي كانَ على النظامِ اللبنانيِ أن يستفيدَ من هذه الفرصةٍ ويوظَّفَها لصالحِ الشعبِ والدولةِ والتنميةِ، وأن تكونَ لديهِ الجاهزيةُ لذلك، الا أننا نرى العكسَ من ذلك حيث تتعمّقُ أزماتُهُ ويظهرُ عجزُه عن تحقيقِ أيّ إنجازٍ بل نرى تفكّكَ المؤسساتِ وانهيارَها يتوجها الشغورَ الرئاسيَ والتبشير بالشغورِ الحكومي.
لذلك فإنّ الدعوةَ الى الجلوسِ على طاولةِ الحوارِ باتت ضرورةً للخروجِ من الحالةِ الراهنةِ وانتظامِ المؤسساتِ الدستوريةِ مع اقتناعِنا الراسخِ بوجوبِ إصلاحِ النظامِ السياسي وتطويرهِ من داخل اتفاقِ الطائفِ بإلغاءِ الطائفيةِ السياسية.
أيها الاخوة اللبنانيون، إنّ العدوَ الإسرائيلي اليومَ هو أكثرُ خوفاً من أي وقتٍ مضى، فالهزيمةُ التي ذاقَ طعمَها اليومَ بعد سلسلةِ الهزائمِ السابقةِ تهزُّ أركانَه، لأنّ هذه التجربةً تتكررُ اليومَ في فلسطين في الضفةِ الغربيةِ والقدسِ الشريفِ بعد انتصاراتِ حروبِ غزة ومعركةِ سيف القدسٍ الذي جعلَ من شبابِ فلسطين والضفةِ الغربيةِ يتقدمونً بهذه العزيمةِ على المواجهةِ حتى الشهادة، وقد اجتازَ هؤلاءِ الشبابُ حاجزَ الخوفِ مِنَ السلاحِ الأقوى الذي استخدمَهُ العدوُ الإسرائيلي، فلقد افتقدَ العدوُ الإسرائيليُ اليومَ أقوى أسلحتِهِ التدميريةِ سلاحِ الخوفِ، وبدا يومُ تحريرِ القدسِ وفلسطين أقربَ اليهم من حبلِ الوريدِ.
من هنا فإنّ من الخطأِ التعبيرَ عمّا حدث في الناقورةِ بأنه إنجازٌ، بل هو انتصارٌ بكل معنى الكلمة وهو بتداعياتهِ وتعبيراتهِ ونتائجهِ لا ينحصرُ بلبنان، بل يتجاوزهُ الى المنطقةِ ويرسمُ صورةَ المستقبلِ للصراعِ مع العدوِ الغاشمِ وللخططِ التي وُضعت لحمايتهِ ولتغييرِ خريطةِ المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ، التي وللأسف ما زالت بعضُ بلدانٍها تتعاملُ مع هذه الأوضاعِ وتنظرُ الى العدوِ بعينِ الهزيمةِ وترفضُ الاستفادةَ من هذه الفرصةِ التي وفرتها المقاومةُ في لبنان وفلسطين، وأن تعيدَ حساباتِها ورسمَ سياساتِها على هذا الأساسِ وإن كنا نأملُ ان يكونَ الموقفُ الذي أُتخذَ من أوبِك بلاس من الدولِ الخليجيةِ العربيةِ بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ في التعاطي مع القضايا العربيةِ والإسلاميةٍ وعودة ًللتضامنِ العربيِ الإسلاميِ لخدمةِ هذهِ القضايا وأن ينعكسَ ذلك على العلاقاتِ الخليجيةِ العربيةِ وعلى رأسِها المملكة العربية السعودية الشقيقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما نأمل ان ينعكسَ ذلك في تغييرِ مملكةِ البحرين للنهجٍ السياسيِ في التعاطي مع شيعةِ البحرين، فهم مواطنونَ بحرانيون مخلصونَ لوطنِهم ولعروبتِهم وللقضايا العربية، وندعو الى حلِّ المشكلةِ الداخليةِ بالحوار والى الافراجِ عن معتقلي الرأيِ والعلماءِ مقدمةً لهذا الحوار، وأن تكونَ مناسبةُ اللقاءِ الروحي المُعدِّ له في البحرين مُعبِّراً فعلاً عن التسامحِ الدينيِ والانفتاحِ الحقيقيِ بإعطاءِ المكوّنِ الشيعيِ حقَّه في العيشِ كمواطنٍ بحرينيٍّ يعيشُ مواطنيتَهُ وكرامتَهُ كاملةً دونً انتقاصٍ، وهذه رسالةٌ مفتوحةٌ لهذا اللقاءِ الروحيِ الذي نأملُ أن يحملَها بأمانةٍ وأن تكونً إحدى مهماتِه هي العملُ على تحقيقِ هذا المطلبِ ورفعِ هذه المعاناةِ عن هذا الشعبِ المظلومِ الذي يتعرّضُ الى الاضطهادِ المذهبيّ، ويُزجُّ بأبنائِهِ وعلمائهِ في السجونِ لمجردِ التعبيرِ السلميِ عن مطالبِه المحقة، مع العلم بأنّ هذا المكوّنَ يشكلُ الغالبيةً من سكانِ البحرين.