قراءة في خرائط النفوذ والتحالفات في المنطقة العربية بقلم: أ. د. محسن محمد صالح

تعاني المنطقة العربية من اتساع حالة “الفراغ الاستراتيجي”، ومن استمرار حالة اللا استقرار والتشكل وإعادة التشكل، في بيئة “قلقة” تعاني من “اللا يقين” Uncertainity تجاه المسارات المستقبلية.

الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة، وإن نجحت في قمع قوى التغيير والإصلاح وفي إجهاض “الربيع العربي” إلا أنها لم تتمكن من ملئ الفراغ؛ وعانت من انعدام وجود مشاريع كبرى تجمع عليها الناس، ومن انعدام وجود قيادات ورموز ذات طبيعة ملهمة. ولذلك، أسهمت في تحويل المنطقة إلى “حيط واطي” Dumping Land جعلت قوى دولية وإقليمية أخرى تسعى لملئ الفراغ وتشكيل خرائط المنطقة.

غير أن الولايات المتحدة، بالرغم من دورها المهيمن، إلا أن قدرتها على تشكيل خرائط النفوذ آخذة بالتراجع، بينما لا يملك الصينيون والروس إلا هامشاً محدوداً لملئ الفراغ. وإذ يحاول المشروع الصهيوني أن يستفيد من هذه الفرصة التاريخية، فإن المشروع الإيراني نجح في المقابل في التقدم في عدد من المواقع، لكن لكل مشروع أزماته. وفي الوقت نفسه، ما زالت قوى الإصلاح والتغيير التي تملك شعبية حقيقية على الأرض غير قادرة على أخذ زمام المبادرة. وهذا يعني، أن ثمة “قوس أزمات” يشمل الجميع، وأن الخرائط ما زالت متحركة.

***

الدّور الأمريكي:

تدخل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي (منتصف تموز/ يوليو 2022) للمنطقة العربية في إطار سعي الولايات المتحدة لتكريس هيمنتها على المنطقة. غير أن المعطيات لا تسير تماماً حسب الرغبات الأمريكية. فالولايات المتحدة تعاني تراجعاً تدريجياً في مكانتها العالمية، حتى وإن كانت ما تزال القوة الأولى عالمياً. كما تراجعت القدرات (وحتى الرغبات) الأمريكية في التدخل العسكري الخارجي المباشر، خصوصاً بعد انسحابها من العراق وأفغانستان، وتراجعت كذلك المكانة الاستراتيجية للشرق الأوسط ودرجته في الأولوية لدى الأمريكان، قياساً بزيادة التركيز على مواجهة الصعود والتنافس مع الصين؛ وإن كانت هذه المنطقة ما تزال ضمن دوائر اهتمامها.

حمل “إعلان القدس” الذي وقعه الرئيس الأمريكي بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في 14/7/2022، تأكيداً على أن الكيان الصهيوني ما يزال يمثل حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتضمّن اتفاقاً مشتركاً يقضي بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، وبدفع عجلة التطبيع لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة، والتزام أمريكا بأمن الكيان، والحفاظ على تفوقه العسكري النوعي.

أما “قمة جدة للأمن والتنمية” التي شارك فيها بايدن بحضور قادة السعودية ومصر والإمارات والعراق وقطر والكويت والبحرين والأردن وعُمان؛ فجاءت في ضوء السعي الأمريكي لإنشاء هيكل إقليمي تكون “إسرائيل” عضواً فاعلاً فيه، و”الشرطي” المعتمد لإدارته، مع حرف بوصلة الصراع وإعادة تشكيل خريطته من مركزية الصراع العربي الإسلامي مع “إسرائيل”، وإشغال المنطقة بالصراعات الطائفية والعرقية، بما في ذلك الصراع مع إيران؛ مع استخدام “الأغطية” والذرائع الاقتصادية والأمنية والسياسية لبناء التحالفات والتموضعات الجديدة.

كما يمكن قراءة التحركات الأمريكية في إطار السعي لقطع الطريق على أي محاولات تأثير محتملة صينية أو روسية في خرائط النفوذ في المنطقة.

وبالرغم من أن زيارة بايدن حملت محاولة لطمأنة حلفائها في المنطقة واستمرار رعايتها وحمايتها لهم؛ إلا أن ذلك لم يشفع لتراجع ثقة الحلفاء بـ”السيد الأمريكي” وتراجع مصداقيته في أعينهم، إذ يشعر عدد منهم بالخذلان، نتيجة عدم دعمهم بما يكفي في مواجهة ما يُسمونه “الخطر الإيراني”، والإمكانية الجدية لتوقيع اتفاقية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفك الحظر عن إيران.

ولذلك، لم يتلقّ بايدن الإجابة التي يريدها بشأن زيادة إنتاج النفط لتعويض مقاطعة أوروبا وأمريكا للنفط الروسي. كما لم تحدث القفزة السعودية التي كان يأملها الأمريكان تجاه التطبيع؛ حيث اكتفى السعوديون ببعض الإجراءات العلنية البطيئة.

وعلى ذلك، فبالرغم من بقاء الأمريكان كلاعب أكبر في المنطقة، إلا أن الخط البياني لخريطة نفوذهم تميل للتراجع، ولاتساع حالة الفراغ نتيجة لذلك.

***

الدّور الصيني:

من ناحية ثانية، فبالرغم من الصعود الاقتصادي الهائل للصين، واحتمال أن يتساوى ناتجها القومي مع الناتج القومي الأمريكي خلال بضع سنوات، وبالرغم من مضاعفة الصين لإنفاقها العسكري بنحو 700% في العشرين سنة الماضية، وبالرغم من التقدم التكنولوجي والعلمي الكبير والذي أوصل عدد براءات الاختراع المسجلة لديها إلى ما يزيد عن مائتي ألف في السنة الماضية، وبالرغم من أنها الشريك التجاري الأكبر للعالم العربي… إلا أنه ما زال من المبكر الحديث عن دور فعال للصين في تشكيل خرائط المنطقة.

فالصين ما تزال ملتزمة بنظرية “الصعود السلمي” التي اختطتها لنفسها منذ سنة 2003؛ وإن كان ثمة مراجعات لهذه النظرية فهي لم تنتقل بعد إلى مسارات واضحة. والنظام الصيني الصاعد هو نظام براجماتي رأسمالي بثوب شيوعي، يحمل عيوب المنظومات الرأسمالية كما يحمل مشاكل وعورات المنظومات الشيوعية، وهو لا يحمل مشروعاً حضارياً بديلاً عن الحضارة الغربية، كما أنه متداخل بشكل كبير مالياً واقتصادياً مع المنظومات الغربية.

وبالتالي، فلعل الصين تستفيد من اتجاه العالم نحو تعدد القطبية، غير أنها في الوقت الذي تحقق نفوذاً اقتصادياً متزايداً، فإنه ما زال أمامها سنوات لتقرر إن كانت ستترجمه إلى نفوذ عسكري وسياسي في هذه المنطقة.

***

الدّور الروسي:

من ناحية ثالثة، فثمة شعور قومي روسي قوي بالرغبة في استعادة المكانة الدولية السابقة للاتحاد السوفييتي؛ يدعم ذلك قوة عسكرية هائلة متقدمة، ووجود قيادة سياسية طموحة تدير برنامجها وأهدافها بالكثير من المهارة والجرأة. ويدعم ذلك وجود حلفاء وأصدقاء لروسيا يدعمون حضورها في مواجهة النفوذ الأمريكي مثل إيران وسورية. كما أن عدداً من الأنظمة الحليفة لأمريكا تضيق بالسياسات والشروط الأمريكية تجاه صفقات السلاح، فتلجأ لتلبية جانب من احتياجاتها من روسيا. ويسعى الروس أيضاً لزيادة هامش حضورهم في الخريطة السياسية في المنطقة لمواجهة إجراءات الحصار والمقاطعة الأوروبية الأمريكية نتيجة الحرب الروسية مع أوكرانيا، ولمحاولة إيجاد بدائل اقتصادية وتجارية.

غير أن هامش التأثير الحالي الروسي في خرائط المنطقة ما زال محدوداً، لصعوبة إحداث تغيير في سياسات الأنظمة الإقليمية المتحالفة مع أمريكا. كما أن الاستنزاف الكبير الذي تعاني منه روسيا في حرب أوكرانيا يقلل فرص التدخل المباشر، والقدرة على فرض الشروط، وإمكانية صرف ميزانيات كبيرة، لإحداث تغيير نوعي في خرائط النفوذ في المدى القريب. مع ملاحظة أن الناتج القومي الروسي هو أقل من 8% من الناتج الأمريكي (1.8 تريليون مقابل 23 تريليون دولار تقريباً)، والميزانية العسكرية الروسية أقل من 9% من الميزانية الأمريكية (66 مليار مقابل 800 مليار دولار تقريباً).

ولذلك، فإن الروس سيسعون إلى زيادة هامش نفوذهم، لكن قدرتهم على ملئ الفراغ ستظل محدودة.

المشروع الصهيوني:

يحاول المشروع الصهيوني، من ناحية رابعة، أن يوسع خريطة نفوذه في المنطقة، في بيئة عربية ضعيفة ومفككة ومتخلفة، وتحكمها إلى حد كبير منظومات سياسية فاسدة ومستبدة. وهو يسعى أن يستفيد من النفوذ والدعم الأمريكي الغربي، ومن قدراته العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية المتطورة، ليحدث حالة اختراق تطبيعي غير مسبوقة في المنطقة، وليتحول إلى “كيان طبيعي” مستقر وفعال في صياغة الخطوط السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية للمنطقة.

غير أن المشروع الصهيوني، بالرغم من حالة العلو، إلا أنه يشهد أزمات متصاعدة أبرزها تصاعد قوة المقاومة المسلحة، وصمود الشعب الفلسطيني وتجاوزه أعداد اليهود في فلسطين التاريخية، ورفض البيئة الشعبية العربية والإسلامية للتطبيع معه، وتراجع نوعية القيادة السياسية، وتراجع الأداء القتالي للجندي الإسرائيلي، وارتباك البيئة السياسية الداخلية.

ولذلك، فبالرغم مما يظهر من تقدم واختراقات تطبيعية، إلا أن التأثير في تشكيل الخرائط يبقى محدوداً، وستبوء مساعي أي نظام عربي يُعوِّل على التحالف مع الكيان الإسرائيلي بالفشل، لأنه لا يمكن الاعتماد عليه، ولأنه سيتزايد عبئه على الأنظمة المطبِّعة بقدر زيادة انفتاحها عليه.

***

المشروع الإيراني:

أما المشروع الإيراني، فلعله من ناحية خامسة، أكثر المستفيدين من حالة التشكل وإعادة التشكل واللا استقرار التي تشهدها المنطقة. وقد نجح في توسيع دوائر نفوذه في العراق وسورية واليمن ولبنان؛ وبات لاعباً رئيسياً. كما يظهر أنه يعزز مواقفه في ضوء فشل العقوبات الغربية عليه، وفي ضوء اضطرار الولايات المتحدة والغرب للعودة للتفاوض على ملفه النووي، وبمحصلة مقبولة لإيران.

ويتمتع المشروع الإيراني بعقل سياسي واستراتيجي محترف، وبروح “رسالية” لمن يحمله، وبقدرة عالية على إدارة الموارد المتاحة في ظروف المقاطعة والعقوبات الدولية. كما يستفيد الجانب الإيراني من البيئة الفاسدة والمستبدة في المنطقة، ومن انشغال الأنظمة العربية بقمع شعوبها، وبقمع أي مشاريع نهضوية حقيقية؛ حيث يوفر له ذلك فراغاً حيوياً لتحركه؛ في الوقت الذي يركز طرحه على دعم المقاومة، ورفض التطبيع، وتبني هموم الناس.

غير أن قدرة إيران ما زالت محدودة على مدّ نفوذها بسبب اتخاذ مشروعها طابعاً مذهبياً، يُضعف قدرتها على إيجاد قاعدة التأييد التي تحتاجها في “البحر” العربي السُنِّي، بل ثمة نتائج عكسية في البلدان التي بسطت نفوذها فيها. كما أن مناطق النفوذ نفسها تعاني من انهيارات ومشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية، ومعارضات قوية ممن يرفضون هذا النموذج وممارساته. وهو ما لا يتيح لهذا المشروع البناء على هذه التجارب لتقديم نموذجه، وتوسيع دائرة نفوذه، في بيئات تخالفه مذهبياً، خصوصاً في الوقت الحالي.

المشروع التركي:

ومن ناحية سادسة، فإن المشروع التركي شهد تراجعاً كمشروع إقليمي في السنوات القليلة الماضية، بعد أن كان مشروعاً واعداً قبل عشر أو خمسة عشر عاماً. إذ إن نجاح حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية في الوصول إلى الحكم، وتحقيق قفزات اقتصادية ضخمة، وتمكنه من قصقصة أجنحة “الدولة العميقة”، وإعادة الجيش للثكنات، ودعم قيادته لقضية فلسطين والقدس والهجوم الإعلامي والسياسي على ممارسات الكيان الصهيوني، ودعم ثورات “الربيع العربي”، والتدخل العسكري لصالح المعارضة السورية، وقوى التغيير في ليبيا…، وبالتالي، البروز الكبير لأردوغان كقائد سياسي ورمز للإصلاح والتغيير… كل ذلك أعطى انطباعاً لدى الكثير من الجماهير العربية بصعود مشروع تركي يُعبّر عن الكثير من تطلعاتهم أو يقدم نموذجاً يمكن استلهامه أو الاستفادة منه للتغيير.

غير أن النظام التركي لم يسلم من الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، إذ إن طبيعة النظام الانتخابي، وتحقيق الشعبية المطلوبة للفوز، أمر مرتبط بالإنجاز الاقتصادي والرفاه المعيشي، مما يجعل الحزب الحاكم مسكوناً بذلك، لئلا يسقط في أول انتخابات قادمة؛ كما أن الولايات المتحدة وعدداً من القوى الأوروبية والكيان الصهيوني لم تكن سعيدة بأداء أردوغان وحزبه فدعمت المعارضة. وكذلك، سعت عدّة دول عربية وخصوصاً الخليجية إلى إسقاط أردوغان، خشية من التأثير الذي يحدثه نجاحه على أوضاعها الداخلية، بالإضافة إلى غضب واستياء نظامَي الحكم في سورية والعراق من التدخل التركي.

ولأن حزب العدالة والتنمية يمارس سياسة براجماتية، ويتبنى العلمانية المحافظة (ولا يدَّعي أنه يتبني مشروعاً إسلامياً) ويقدِّم الاعتبارات العليا للأمن الوطني والقومي التركي، ولأن قوى التغيير في المنطقة العربية جرى ضربها وقمعها، فقد فضّل أردوغان وحزبه إعادة التموضع، من خلال تخفيف دعمه لقوى التغيير، وإعادة تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني، ومع دول “الاعتدال” العربي بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر، وإعادة ترتيب علاقاته مع النظام السوري.

وبالتالي، فقد حدثت حالة “انكفاء” عن تقديم أو رعاية مشروع إقليمي، بانتظار النجاح في عبور استحقاقات انتخابات 2023. غير أن ذلك لم يمنع القيادة التركية أن تتابع ممارسة تأثير محدود خصوصاً في الجانب العسكري كما حدث في ليبيا وأذربيجان؛ وبشكل يعبر عن إدارة المصالح وأولويات الأمن القومي أكثر مما يعبر عن مشروع للمنطقة.

قوى التغيير والإصلاح:

ماذا عن قوى التغيير والإصلاح في المنطقة؟ تبدو هذه القوى، من ناحية سابعة، في أوضاع صعبة، بعد أن تلقى مشروعها ضربات قاسية في الموجة المضادة التي تلت “الربيع العربي”. فبالرغم من نجاحها في إسقاط عدد من الأنظمة العربية 2011–2012، وهز الأوضاع بقوة في العالم العربي، وبروزها كرافعة محتملة لمشروع نهضوي وحدوي عربي إسلامي؛ إلا أنه جرى إجهاضها وتشويهها وتهميشها، خصوصاً في مصر واليمن وليبيا وسورية وتونس؛ وجرى قمع تطلعاتها في بلدان الخليج أو تفريغها من محتواها كما في المغرب العربي. وتضافرت في ذلك قوى إقليمية ودولية متحالفة مع قوى الدولة العميقة في هذه البلدان.

وقد دفعت قوى التغيير أثمان باهظة، نتيجة عدم جاهزيتها للانتقال من ريادة المجتمع إلى قيادة الدولة وإدارتها؛ كما عانت بدرجات متفاوتة من أزمات في الرؤية وفي القيادة وفي البرنامج وفي البنى التنظيمية، ودفعت أثمان انكفائها القطري واستفراد أعدائها بها. وهي تعاني هذه الأيام من بيئات إحباط لدى الكثير من مؤيديها.

وفي المقابل، فإن قوى التغيير، وخصوصاً ذات الخلفية الإسلامية، ما زالت هي الأكثر حضوراً في البيئات الشعبية (ويبرز ذلك عندما يرتفع سقف الحريات)؛ حيث فشلت الأنظمة من استئصالها وعزلها. كما أن الأنظمة العربية التي قمعت قوى التغيير ما زالت تقوم بإعادة إنتاج منظومات الفساد والفشل التي أدت إلى ثورات “الربيع العربي”، وبالتالي إيجاد بيئات الصعود لقوى الإصلاح والتغيير من جديد.

وتبرز قوى المقاومة الفلسطينية، تحديداً ذات الخلفية الإسلامية (بالرغم مما تعانيه من تضييق وحصار)، كقوى صاعدة فَشِل العدو الصهيوني في تطويعها، ونجحت في تطوير أدائها العسكري الذي برز بشكل كبير في معركة سيف القدس 2021، كما نجحت إلى جانب المقاومة الشعبية في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى وفي تعبئة جماهير الأمة حولها. وبالتالي ظلت قضية فلسطين القضية الجامعة والموحدة، والموجهة للبوصلة، والرافعة لمعاني العزة والكرامة والرغبة في التحرر والنهوض. وأسهمت في رفع سوية الأمة وفي مواجهة الشعوب لاختراقات التطبيع مع العدو الصهيوني. وهو ما يعني أن رأس قوى المقاومة كان مطلوباً لتمرير المشروع الأمريكي الصهيوني التطبيعي في المنطقة، كما أن نجاح المقاومة وصمودها يقطع الطريق على تشكيل خرائط هذا المشروع؛ ويقدم رافعة لقوى التغيير والإصلاح لاستعادة زمام المبادرة وتقديم مشروعها.

***

وبناء على ما سبق، فإننا أمام حالة من اللا استقرار ومن “القلق” و”الفراغ الاستراتيجي”؛ إذ إنه بالرغم من تمتع اللاعبين الكبار بعدد من المزايا إلا أن الجميع يعاني من أزمات كبيرة، بعضها بنيوي وجوهري، تمنعه من فرض رؤيته لخرائط النفوذ في المنطقة.

وأياً تكن الجهود الأمريكية فإن مسارها العام مسار متراجع، ولا يمكن للروس ولا الصينيين ولا للمشاريع الإقليمية الحالية أن تملأ الفراغات في بيئة الإقليم.

ولعل ذلك، يعطي فسحة أمل لقوى الإصلاح والتغيير في المنطقة لاستعادة الثقة واستلام زمام المبادرة، وتقديم مشروعها الإسلامي النهضوي الحضاري بقوة، وبروح ملهمة. غير أن ذلك يحتاج من هذه القوى، الكثير من العمل لتقديم تصوراتها وحلولها الناضجة في إدارة الدولة، وفي بناء الإنسان المتحرر من الخوف على الرزق والحياة، وفي تكوين المجتمع الحاضن للنهضة، وفي استعادة ثقة الجماهير، وفي تثويرها ضد واقعها البئيس. كما أن على هذه القوى تطوير بناها التنظيمية، وتفاعلها مع الناس، وتقديم قيادات ورموز مؤمنة وملهمة وقوية وفعالة وصلبة، للعبور بموجة التغيير القادمة إلى برّ الأمان.

You May Also Like

More From Author