احياء عاشوراء في المجلس واصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى البيان التالي: ان يوم الثلاثاء الواقع فيه 9 اب الجاري هو اليوم العاشر من محرم لهذا العام.

برعاية وحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب احيا المجلس اليوم الأول عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس بحضور شخصيات سياسية ونيابية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين، وتلا المقرئ أنور مهدي ايات من الذكر الحكيم، وقدم الحفل د. غازي قانصو ، والقى سماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان كلمة قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.إنّا لله وإنّا إليه راجعون، من رزيةٍ ما أعظمها على الله ونبيّه وأهل بيته ومن بَعث من الأنبياء والمرسلين، رزيةٍ أصابت السماوات، وجلّت الأرض، وسيظل دمها يفور إلى قيام القائم المنتظر إمام العدل وسلطان الوجود إن شاء الله تعالى.

سماحة أخي الشيخ علي الخطيب، العلماءَ الأفاضل، الإخوةَ المؤمنين، عظّم الله لكم الأجر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كبداية تمهيدية لمحرم الحرام، لا شك ولا ريب أننا نقف أمام قضية سماوية أقرحت جفون آل محمد(ص)، وأسبلت دموعهم، وأورثتهم الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. كما أنها تحوّلت كارثة كبرى وعميقة على مستوى وجع الإنسان وخيارات وجوده، لذلك ما جرى في كربلاء من زاوية الحزن هو مفجع وموجع جداً، ومن جهة ما أخذ الله بنخبة أوليائه وأشرف أصفيائه، عدّ بلسان النصوص بليّةً، توارث ميثاقَها نبيٌّ عن نبيّ، ووليٌّ عن ولي.

أما الزاويةُ الأرضية من جهة وظيفة الإمام الحسين(ع)، فقد كانت مفصل الصوت، وإشارة الخيار، لأن الإمام الحسين(ع) انتظر اللحظة التاريخية، ليعلن صراحة أنه لن يبايع يزيد بن معاوية، وأنه يفضل القتل في سبيل الله على بيعة سلطان غشوم وحاكم فاجر وفاسق، بشخص يزيد بن معاوية ونظامه الجائر.

وفي هذا السياق، قدّم (ع) عناوين رئيسية جداً، مفادها: الإنسان قيمة وجودية أكبر من الأرض، والدين بصفته قيمة إطارية للوجود العميق ضرورة ماسّة لوجود الإنسان وإدارة دوره وأهدافه، والقوة لا تساوي الحق، والمشروع السياسي الاجتماعي الذي لا يرتكز على العدالة الحقوقية التطبيقية ومشروعية قرار السلطة، أسوأ عدو للإنسان، لأنه يصادر قدرته على البقاء والاستمرار، فضلاً عن الوجود.

ولأن البيعة لا قيمة لها إلا بشرطها، ولأنه (ع) كان ينتظر الظرف التاريخي المساعد، فقد أعلن صريحاً أنه لن يبايع يزيد، وقال (ع):”مثلي لا يبايع مثله، وعلى الإسلام السلام إذ بُليَت الأمة براعٍ مثل يزيد”.

وحين راجعه الأعيان والكبار خشية أميّة وسطوتها، كان (ع) صريحاً بأنه لا يعوّل على انتصار ماديّ، وأنه على موعد أكيد مع مذبحة تجري بحقه وحقّ أهل بيته وأصحابه، وأنها ستشكل جاروفاً لا سابق له في معركة القيم وحماية التنزيل، وهو ما كان يصبو إليه ويريده (ع).

وهنا أشير إلى أن رواية النبي(ص) الصريحة بأن الإمام الحسين(ع) يقتل في كربلاء مع أهل بيته وأصحابه متواترة بالشرطين، وعليها أهل الإسلام جميعاً.واللافت جداً أن رواية السلطة الأموية صرّحت بأنها تريد أن تتفاوض مع الإمام الحسين(ع)، ووصل الأمر بها أنها عرضت على الإمام الحسين أن يكون جزءاً من القرار السياسي، فرفض (ع) مصرّاً على أن القضية قضية مشروع سماوي ضيّعته أميّة، ونظام حكم ضيّع الناس، وحطّم هويتها، كما أن طواقم السلطة فاسدة وضالة ومجنونة ومجرمة، على المستوى الحقوقي والبرامج، ولا بد من دم بحجم سبط النبي الأعظم(ص) ليهزّ ضمير ذلك العالم.

ولذلك حين توسّله ابن عباس بأن يعدل عن خروجه، وأن لا يتجه نحو العراق، خشية الكبش الأعظم الذي أخبر النبي(ص) أنه يكون هناك، وأنه الحسين(ع)، قال له:”يا ابن عباس شاء الله أن يراني قتيلاً”، والقضيةُ قضية مشروع يحتاج إلى دم بحجم كبش فاطمة الزهراء(ع). وحين قال له ابن عباس: إذن لماذا تصطحب النساء معك؟ قال(ع):”شاء الله أن يراهنَّ سبايا”، وذلك تأكيداً منه (ع) أن الثمن عظيم، وأن هذا الخيار هو الأمرّ على الإطلاق.

وبذلك، كانت المعركة معركة شهادة عظمى، بأهداف فكرية ووجودية، بحجم مجزرة ستقلب موازين القوة النفسية والفكرية لدى شعوب ذلك العالم.

والإمام الحسين(ع) اليوم حقل وجودي، وفلسفة حقوق، ورائد متفرّد بعالم كسر الجبابرة، والشجاعةِ على سحق عمالقة الطغيان، وهو بذلك قيامةُ مجدٍ وخلودٌ أبديٌ لا يقبل بسلطة فاسدة، أو حاكم جبّار أو طواقم تحوّل السلطة صفقات ولعبة مزارع.

إذن، القيمة الرئيسية بمشروع الإمام الحسين(ع) تكمُن بالإنسان، كقيمة وجودية ووظيفة دنيوية. من هنا، أراد الإمام الحسين(ع) أن يقول: الإنسان هو المقدّس الثابت، والسلطة بمقدار قداستها أو تقديسها للإنسان مقدسة، كما أن السلطة مشروعة بمقدار تأمينها لحقوق الإنسان، وإلا فهي ليست إلا قوة مستبدة.

وهنا بهذا المنطق، يريد منا الإمام الحسين(ع) أن نكون ثوريين بالحقيقة، ثوريين بمنطق وجودنا، ثوريين بطبيعة الأهداف، ثوريين بالأولويات، ثوريين بكسر الأنا، والخروج من المصالح الشخصية، ثوريين بالتفاني من أجل الغير، لكن على قاعدة أن نكون بين الفقراء والمساكين، وبين أكواخهم، وأن نكون جزءاً من همومهم، لأن التاريخ منذ اليوم الأول يصنعه الفقراء والمساكين. وبهذا المنطق لا يجوز أن نشبع وفي الناس جائع، أو نأمن وفي الناس خائف، أو نتنعّم وفي الناس بائس ومعدم.

واليوم البلد معركة قيم، قبل أن يكون معركة سياسية ومعيشية واقتصادية، والعامل الدولي والداخلي جزء كبير من معركة كبيرة جداً، وهناك من يعاقب لبنان لأن فيه هذا النَفَسَ الحسينيَّ الضامنَ جداً للعيش الوطني، والذي يؤكِّد حبّ الإسلام للمسيحية، بل يقدّس الإنسان كقيمة فريدة في عالم الوجود.

لذلك المطلوب منا أن نكون حسينيين، تماماً على الطريقة التي تعامَل فيها الإمام الحسين(ع) مع “جون” المسيحي و “أسلم” التركي، وبقية الطبقات والأعراق التي جمع دمها مع دم ولده علي الأكبر، وأخيه أبي الفضل العباس، كرمزية عظيمة للروح المحمدية العلوية، ومنطق ضمانها للخلق.

لذلك، أن نربح معركتَنا يجب أن نربح الهويةَ الحقوقيةَ للسلطة، فضلاً عن ربح معركة رغيف الفقير، وقدرته في سوق العمل، وطاقته على الصمود وثباته النفسي والمعيشي والأخلاقي، وهذا يفترض كسر مشاريع الجريمة والفساد السياسي، والفلتان الاجتماعي، ولعبة التجويع والإذلال، أينما كانت، أمام فرن، أمام محطة أو مستشفى، وغير ذلك. 

بهذا المعنى نكون حسينيين، لأن الإمام الحسين(ع) شهيد الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شهيد الحقيقة العظمى والتضامن والتكافل الاجتماعي، شهيد أنّة فقير وخوف مظلوم، ونكبة محروم، وبؤس بائس، واستضعاف ضعيف، شهيد العدل السياسي، والحق الاقتصادي والاجتماعي، الذي يكسر الاحتكار ولعبة الأسعار ومشاريع الحيتان وجماعة الغزو المالي النقدي؛ والعين على الحرب الأخلاقية والمشروع السياسي، لأن الحسين(ع) إمام كلمة الحق وميزان العدل، وضامن الإنسان.

والحذر الحذر، لأن نوع هذه المعركة خطير للغاية، ومن يدير هذه المعركة يريد أن يحقّق عبر رغيف الخبز ما لم يستطعه بالحرب والغزوات الثقافية، والمطلوب حماية هويتنا الأخلاقية والوطنية، وتطهير القرار السياسي من الوهن والضعف والارتزاق والمقامرة، والبلد اليوم بلا قرار سياسي، لأن حكومة تصريف الأعمال أشبه شيء بحكومة بطالة سياسية.

لذلك البدار البدار لاتفاق سياسي يجنّب البلد سرطان الفراغ الحكومي، على أن انتخاب رئيس جمهورية رأس الضرورات، والبلد بلا رئيس جمهورية أشبه بجسد بلا رأس، وكل هذه وتلك لا قيمة لها إلا إذا ترجمنا السلطة كضمانة قوية بالقطاعات الاجتماعية والمعيشية وسوق المال وحماية اليد اللبنانية، ونسف وثن الصفقات ولعبة الزواريب والأكاذيب السياسية.

أخيراً، في يوم الإمام الحسين(ع) نؤكّد أن لبنان مرهون بنفطه البحري، وأخوة يوسف شركاء بخنق هذا البلد، والأطلسي يقود لعبة شدّ الحبل على عنقنا بقيادة واشنطن، والإسرائيلي جزء من معركة العالم والإقليم على لبنان، وخيارنا الحسين، بكل ما يعنيه، نخوةً وحميةً ومجداً وإرادةً وثقةً ومقاومةً، وما لا نستطيعه بالسلم، يمكن استطاعته بالحرب، ولأول مرة الإسرائيلي يوسّط نصف العالم ليمنع الحرب. 

لذلك، إنقاذ لبنان قبل أن يبدأ من قرار وطني حرّ، يبدأ من البحر كمادة إنقاذ، وما أعظم عصا موسى التي فلقت البحر، علّ الإمام موسى الصدر يرى أمنية لبنانه قوياً وطنياً، بمقاومة وقرار سياسي وطني كبير.

عظّم الله أجوركم… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسيني.

 

 

You May Also Like

More From Author