برعاية وحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب ، ولمناسبة عيد الغدير الأغرّ، اقام مركز مشارق للبحوث والدراسات الفكريّة المعاصرة “غديريّة بيروت – 2022م”: حفل إعلان نتائج “مسابقة الغدير البحثيّة”، في قاعة مسرح مركز الإمام الخمينيّ (قدّه) الثقافيّ، حضره ممثل سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني الحاج حامد الخفاف، ممثل سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الشيخ سامي ابي المنى الشيخ عامر زين الدين ، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، رئيس حزب الامة الشيخ عبد الله جبري، الشيخ حسين غبريس ممثلا تجمع العلماء المسلمين، مدير عام جمعية التعليم الديني محمد سماحة، حشد من علماء الدين والشخصيات السياسية والاكاديمية والاجتماعية والتربوية وأساتذة الجامعات ومهتمين.
وبعد تلاوة مهدي شمعوني أي من الذكر الحكيم، وتقديم الإعلامي الدكتور خضر نبها للحفل، القى كلمة الباحثين الدكتور عبد الأمير زاهد، فقال: ابدأ مقالتي بحمد الله حمداً يليق بجلاله ويوازي نعمه واولها نعمة الولاية لأمير المؤمنين علي (ع) واصلى واسلم على الحبيب المصطفى هادي الامة وشفيعها وسيد الانبياء ورسول الانسانية و داعية الحق والعدل محمد بن عبد الله وعلى آل بيته ائمة الهدى واعلام التقى والعروة الوثقى سادة الخلق وخير البرية بدءاً بالمعلم الرباني مروراً بالمعصومين الطاهرين وصولاً الى صاحب الامر وناشر العدل والقسط الذي تنتظره الامم المقهورة والمستضعفة وتتطلع اليه امالها ففي عصره يتحقق النصر والعافية والسرور والعيش الرغيد تحت ظل الدولة المعصومة التي يقودها وارث الانبياء والرسل وخاتم الائمة وبقية مشروع الغدير الرباني . لقد حباني الله تعالى شرفاً رفيعا حينما قيض لي ان اكتب بضعة احرف في مآثر علي (ع) باحثا في مشروع الغدير الحضاري وزادني شرفاً ان أمتثل لطلب شيخي واستاذي العلاّمة الجليل الشيخ الدكتور محمد شقير أن أمثّل اخوتي في هذا المحفل، وفي البدء اود أن اقدم شكرنا جميعاً لمركز المشارق ولهذه المبادرة الكريمة شكراً تعجز العبارات عن وصفه فقد فعلتم صنيعاً حسنا وعملتم سنه حسنة ، لكم اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة ولبى اخواني الباحثون مبادرتكم وكتبوا ابحاثهم ليس بأقلامهم انما بمداد المشاعر المسكونة بمودة آل البيت (ع) عبادة للباري القائل (قل لا أسئلكم عليه اجراً الا المودة في القربى) فقد كانت هذه المودة فيصل التفرقة بين الاستقامة وبين فقدان الوعي التاريخي فحملوا قلوبهم والمملوءة بالعشق وافدين اليكم كل منهم يسابق الآخر، للحضور في ضاحية الولاء والممانعة والصمود الضاحية التي تحمل بفخر أرث جبل عامل واجتهادات الروضة واللمعة.
أن بلدان (المشاركين) في هذا المحفل الكريم بدات من مشرق الارض جوار الرضا (ع) مروراً بعراق الحسين (ع) سيد المجد ثم سوريا عرين العقيلة الى لبنان الشهيدين، لقد كانت أبحاث هذا المحفل التي فازت بالقبول (14) بحثاً تقاسمتها سبع من اخواتنا الباحثات وسبعة من اخواننا الباحثين .ويلاحظ المتتبع لها ان (الجهد الاستشراقي) قد اخذ من اهتمام الباحثين مآخذا ولهذه الالتفاتة ملحظ مهم إذ أن بعض ابحاث الاستشراق اكتشف التحامل على آل البيت في مدونات عصور ما بعد السلاجقة وتلمست اللبس على مشروع الغدير الحضاري من عصر الزهري الى مدونات ابن تيمية وما التحق بها من كتاب التاريخ الحديث ، فان بعض الدراسات الاستشراقية اكتشفت وكشفت ذلك التعتيم والتزوير واللبس والتدليس على واقعة الغدير بإخفاء الحقائق وكمثال على ذلك ما توصل اليه البرفسور هنري كوربان بعد حواراته مع صاحب الميزان .
وانشغل بعض المستشرقين بظاهرة استمرار التشيع وجوداً وفكراً رغم الاضطهاد التاريخي المتعاقب الذي كان يفترض الا يبقى منهم ولا يذر لان غيرهم انقرض باقل مما تعرضوا له، لكننا في الوقت نفسه لا ننكر ان بعضهم قد وقع في حبائل المصادر التي بنيت على تصدير الكراهيات والاحقاد واشعال الحروب البينية بين ابناء الامة التي كان جدير بها ان تلتزم بقيم خير الامم التي اخرجت للناس وقد اردف هذه الابحاث دراسات تاريخية توغلت في ظاهرة الغدير لتكون على مقاربة مع تحليل علمي للحدث في (الاسس / المسارات / الآثار الفكرية والاجتماعية ) واعتنى بعض الباحثين بالتحليل السوسيولوجي لإشكالية الغدير في المدونات كمشروع وظاهرة حضارية وبالمحصلة لقد ضمت الابحاث زوايا عديدة للنظر الى هذه القضية المفصلية في تاريخ الاسلام .اننا نعترف ايها الاخوة والاخوات ان كلماتنا كلها وان كان بعضها لبعض ظهيراً لا تفي امير المؤمنين حقه وتصف شأنه لكننا على قدر الاستطاعة فيا سيدي يا ايها المعلم الانساني الذي لم يهب الزمان مثلك لقد قدمنا الى تخوم ذكراك ، ببضاعة مزجاة ، فتقبل منا انك لمن المحسنين .
في الختام : ارجو ان تسمحوا لي ان اقدم سردية عشق لذكراه فأقول :سيدي : ماذا عساي ان اقول في عظمتك التي تتجدد كأعجاز القرآن ، ماذا علي أن اقول وأنت عبارة كتلة من المآثر والمفاخر فهل يعقل ايها المتفرد ان يصوروك موضعاً لخلاف أهل الملة، فلقد خذلك ذلك الزمن فتساميت عليه سمواً لا مثيل له على طول التاريخ و كنت تجسيداً للحقيقة التي هي اسمى من كل الاعتقادات والأديان، وكنت محلاً تعزى له كل الفضائل وتفتخر بالانتساب له كل المقالات لأنك امتلكت كل العبقريات ، حتى عشقك الفلاسفة واهل العرفان والاديان وحكماء البشر لانهم وجدوا في مدونتك قوانين الحقوق والحريات والتعليم والتمدن ونظم العدل، واكرر مهنئاً مركز المشارق بهذا الارتباط العطر بعلي (ع) فأوجه خالص شكر اخواني الباحثين وامتنانهم له وارجو ان تكون هذه المأثرة العاملية تقليداً سنوياً ، وفقكم الله لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والقى رئيس المركز الشيخ د. محمد شقير كلمة قال فيها: إنّه ليطيب لنا أن نجتمع تحت عنوان “غديريّة بيروت 2022م”، احتفاء بعيد الله الأكبر، عيد الغدير، وأفضل أعياد أمتي، كما جاء عن النبي(ع). هذا الحفل الذي يقيمه مركز مشارق للبحوث والدراسات الفكريّة المعاصرة لإعلان نتائج مسابقة الغدير البحثيّة، وتكريم الفائزين والباحثين وأصحاب الفكر والقلم. لقد بدأت فكرة هذا المركز نتيجة الجمع والتكامل بين مسارَي الحوزة العلميّة والجامعة، والذي يتيح لمجمل العلوم الإنسانيّة ومناهجها أن يكون لها أكثر من دور وصل وتفاعل مع الفكر الدينيّ وموضوعاته. وإنّي لأعتقد أنّ هذا الوصل إذا مُنهجت وأُتقنت صناعته؛ فإنّه يؤسّس لأكثر من إبداع معرفيّ وجدوائية وقدرة على التفاعل الهادف مع المجتمع وحاجاته الثقافي والفكرية. وخصوصًا عندما تُواجهنا، بشكل مستديم، تحدّيات فكريّة تفرض نفسها وتتطلّب استجابة جادّة ووافية تنسجم مع روح العصر.
من هنا كان هذا المركز الذي بنى مساحة انشغاله ضمن ثلاث محدّدات:الأولى: فكريّة، الثانية: معاصرة، الثالثة: العناية بالتحدّيات القائمة التي تفرض أكثر من إلحاح بضرورة تحقيق استجابة مختلفة في المنهج والخطاب وسوى ذلك في فكرنا الديني عامة والإسلامي بشكل خاصّ.
وقد بدأنا منذ أقلّ من عام، فحدّدنا جملة مسارات للعمل: مسار الندوات، حيث عقدنا سلسلة من الندوات. مسار الاستكتاب البحثيّ، فأصدرنا خمسة إصدارات تمحورت موضوعاتها حول الحضانة، الحجاب، الإلحاد، الحياد في المسألة اللبنانيّة، وواقعة الغدير (ألذي يضمّ أبحاث مسابقة الغدير)، فضلًا عن كتاب سوف يصدر قريبًا إن شاء الله تعالى حول العلمانيّة وإشكالياتها، حيث كان الحرص على معالجة هذه الموضوعات بطريقة تستوعب مختلف أبعادها الفكريّة، وتقدّم جديدًا ومفيدًا وهادفًا، بما يتجاوز المعالجات الكلاسيكيّة من جهة، وتلك التي تفتقر إلى الأصالة الدّينيّة والالتزام الفكريّ من جهة أخرى.
هذا فضلًا عن فعاليّتنا هذه حول مسابقة الغدير البحثيّة، والتي عملنا على توظيف مجمل العلوم الإنسانيّة الأنثروبولوجيّا، والفلسفة السياسيّة، والتاريخ، والاجتماع السياسيّ والثقافي وغيرها في بحث واقعة الغدير، وشارك فيها جمعٌ من كبار الباحثين وأساتذة الجامعات من لبنان والعراق وإيران وسوريا، والتي نعدّها كمحاولة لتعزيز هذا الاستخدام المنهجيّ في تلك القضايا والموضوعات. من ضمن الموضوعات التي طرحت في المسابقة، الدلالة الأنثروبولجيّة لإلباس النبيّ (ص) عمامته المعروفة ب(السحاب) للإمام علي(ع) بعد خطبة الغدير ، فما الذي تعنيه هذه المراسم في التقاليد والأعراف الثقافية السياسية يومها؟ تذكر العديد من المصادر اللغوية أن العرب كانوا إذا أرادوا أن يسودوا رجلا عمموه، لأن العمائم تيجان العرب، فكلما قيل في العجم توج، قيل في العرب عمم. (ابن منظور في لسان العرب وغيره من المصادر).
وهذا موضوع لرسالة ماجستير في الأنثروبولوجيا وغيرها.
وبعد هذا الانشغال لما يقرب من العام، تبيّن لنا أكثر:
- مدى الحاجة إلى هذا النوع من الانشغال الفكريّ، وأنّه لم يعد صحيحًا على الإطلاق أن يبقى مساحة فراغ لا يعمل على الاستجابة لها، وتوفير شروط هذه الاستجابة ومقوّماتها.
- إنّ العديد من الشخصيّات العلميّة والفكريّة كانت تبحث عن مشروع من هذا القبيل للمساهمة فيه بشكل أو بآخر، وقد تعاونا معها، ونحن حاضرون لتوسيع دائرة هذا التعاون.
- إنّنا قادرون على توفير استجابة وافية تحقّق غاياتها، إذا ما أدركنا حجم التحدّيات ومخاطرها، وحصل التعاون المطلوب بين جميع المعنيّين في هذا الإطار.
أمّا في المرحلة القادمة -واستكمالاً لما بدأنا به- فسنعمل على العديد من الموضوعات كالجندر والزواج المدنيّ، وموضوعات أخرى تُحدَّد لاحقًا، وسيعمد المركز إلى إجراء حوارات فكريّة متلفزة بالتعاون مع بعض القنوات الفضائيّة؛ ليتم نشرها في الفضاء الإلكتروني.
بالإضافة إلى فتح باب التعاون مع العديد من المؤسّسات الفكريّة داخل لبنان وخارجه؛ للمشاركة في فعاليّات تحقّق هذا الغرض، إذ سيحرص المركز على أن يكون منتدى حوار ودعوةٍ إلى كلمة سواء تجمعنا على الخير والهدى، وقيم العدل والصلاح. وإنّي أستفيد من هذه الفرصة لدعوة جميع المؤسّسات والشخصيّات الدينيّة للتعاون في مواجهة التحدّيات المشتركة؛ لأنّ العديد من هذه التحدّيات ليست خاصّة بفئة دون أخرى، وهي تشكّل مساحة تعاون بين المؤسّسات الدينيّة والفكريّة الملتزمة.
نحن نعتقد أنّ الله جميل، والجميل لا يمكن أن يكون دينه إلّا جميلاً، فإن استطعنا أن نتذوّق هذا الجمال وأن نكون تعبيرًا عن محاسنه، فإنّ الناس لا بدّ من أن تعشق هذا الدّين وتحبّه. ولأنّها غديريّة بيروت، ولأنّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، فقد رغبنا أن نستفيد من هذه المناسبة لتكريم شخصيات رائدة كتبت وأبدعت في الغدير، وعليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) علمًا وأدبًا وفكرًا، فكانت شخصيّاتنا الغديريّة التي نتوجّه إليها بوافر الشكر على ما جاد به قلمها (وفكرها)، وقبولها دعوتنا هذه.
بعد أن ينشد غديريّته المعروفة يقول النبيّ (ص) لحسّان بن ثابت: “لا تزال يا حسّان مؤيّدًا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك”. ويقول النبيّ (ص): “عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب”.فهنيئًا لمن كان روح القدس مؤيّدًا له، وهنيئًا لمن كان عنوان صحيفته حبّ عليّ (عليه السلام).وكيف يستغرب هذا، وقد قال الله تعالى فيكم في سورة المائدة، الآية 82: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون﴾.لقد عبّرتم في الكثير من كتاباتكم الأدبيّة والفكريّة عن محبّتكم ومودّتكم لعليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام)، فلكم منّا كلّ المحبّة والمودّة والشكر والتقدير، وما نقوم به في هذا الحفل تعبير متواضع عن مدى امتنانا وشكرنا لكم.والشكر موصول لراعي الحفل وللباحثين المحترمين، خصوصًا الذين تجشّموا عناء السفر من خارج لبنان، ليشاركونا حفلنا. والشكر لكل من ساهم-وخصوصا الجنود المجهولين- في نجاح هذا الحفل، و(من عمل) في مشروع هذا المركز ومختلف برامجه وفعالياته، والشكر لكم الحضور الكريم على تشريفكم وتلبيتكم دعوتنا، والشكر أوّلاً وآخراً لله تعالى أن وفّقنا؛ لنكون على مائدة عليّ بن أبي طالب(ع) مائدة الفكر والأدب والولاء والمحبّة، وغديريّته التي نأمل أن تضحى موسماً فكرياً وأدبياً واجتماعياً، نجدّد فيه الحب والولاء للنبي(ص) وعلي(ع) وأهل البيت الطيبين الميامين.
والقى راعي الحفل الشيخ الخطيب كلمة قال فيها: وانه لمن دواعي الشكر لله تعالى هذا اللقاء على ضفاف الغدير الذي يعود فيه الفضل بعد الله سبحانه وتعالى الى الجهة الداعية بعنوان( غديرية بيروت ٢٠٢٢ ) وصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور محمد شقير وايضا لهذه المبادرة بتكريم نخبة من الكتاب والشعراء الذين كانت لهم اسهاماتهم في اثراء المكتبة العربية والاسلامية بالاضاءة على اخطر القضايا ذات الابعاد المختلفة الدينية والفكرية العامة أو المتعلقة بالجانب التنظيمي والاداري للنظام الاسلامي من وجهة النظر الغديرية اذا صح التعبير التي هي احد اهم دعائم القول بالامامة كمنصب الهي كما هي النبوة في الحفاظ على سلامة الشريعة من التحريف والقرآن من التأويل الذي يخدم اصحاب المصالح من المتنفذين او الطامحين والمنافقين والاعداء المتربصين بالإسلام الذي كان ما يزال غضا طريا ولمَّا تسنح الفرصة للنبي (ص) بالاستمرار بالقيام بهذه المهمة ،اذ كانت المهمة الاساسية وهي تبليغ الوحي والدين بخطوطه العريضة قد انتهت وبقيت المهمة الاخرى وهي التطبيق لاحكام الدين وتفسيره التي هي بحاجة الى الزمن لان ظهور المشكلات انما تنشأ بسبب التطورات والاحداث التي تشكل موضوعات جديدة تحتاج الى القدرة على الكشف عن الاحكام المتضمنة في الكتاب وعدم تحويرها لمقتضيات مصلحية. وحيث ان المهمة الاولى والمدماك الاساسي في هذا المشروع قد انجز باعتراف المسلمين بما ورد بخطبة رسول الله يوم الغدير والشهادة لهم انه قد بلغ وبالنص القرآني ( اليوم اكملت لكم دينكم )، فانتهت بذلك مهمة النبوة ولذلك لم يحتج الامر الى الخروج عن السنة الطبيعة للحياة وقضت حكمة الله تعالى انتقال النبي (ص) الى رحاب الملكوت الاعلى حيث اعد ( ص) بأمر الله تعالى عليا لهذه المهمة العظيمة، وقد اعترف لعلي حتى اعدى اعدائه بالجدارة للقيام بهذه المهمة واستحقاق ابنائه الائمة الاحد عشر لهذا المنصب الذي تحقق يوم الغدير “من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصر واخذل من خذله” بعد ان مهد لذلك بقوله (الست اولى بكم من انفسكم قالوا: بلى يا رسول الله) ،فاردف ذلك بهذا التنصيب، فالامامة ليست سلطة زمنية وانما ولاية الهية التي تختلف اختلافا جوهريا عن وجهة النظر الاخرى التي تراها سلطة زمنية وليست دينية الهية وذهبت الى القول بنظرية الخلافة ادت لنتائج كارثية اخلت بالأهداف الاستراتيجية للدين وحولت الدين الى اداة بيد الحاكمين لتمكينهم في السلطة وتشريع تصرفاتهم وسلوكياتهم واعتبارها مرجعية بديلة للكتاب والسنة، وبالنتيجة تنحية الاسلام عن دوره في صياغة الحياة البشرية.
ان اهمية واقعة الغدير التاريخية، انها رغم المحاولات الحثيثة لطمسها او تفسيرها على غير حقيقتها بقيت محاولات فاشلة وغير منطقية خصوصا اذا قرنت بوقائع سبقتها من رسول الله (ص) تؤكد على نفس المضمون.
ان اهمية واقعة الغدير رغم كل ذلك بقيت تؤدي دورها في الفهم الصحيح لصيغة الاسلام في الحكم التي تجعله فاعلا في صياغة الحياة الانسانية من مبدأ العبودية لله وحده وتحقيق اهدافه في تحقيق العدالة الانسانية المفقودة التي فشلت نظرية الخلافة في تحقيقها وتحولت بدلا عن ذلك الى ملك عضوض. والسؤال هنا هل ان مشروع الاسلام ( الولاية والامامة ) قد انتهى بسيادة مشروع الخلافة، والجواب ان مشروع الامامة لم ينته وهو مستمر واذا كانت الظروف قد عطلت مسيرتها على مستوى مشروع الحكم ولكنه لم ينته على مستوى الاعتقاد والوظيفة فإمامة الائمة (ع) تكليف الهي لا يجوز التنكر له، وهو جزء لا يتجزأ من إيمانها وعقيدتها وان الامامة ليست مشروطة بالتلبس بالحكم والسلطة على انها على مستوى الحكم كانت تشير على الدوام الى عدم المشروعية للسلطة الحاكمة وكانت باعثا على الدوام الى الاعتراض والثورة ومواجهة السلطة الحاكمة وعدم اضفاء الشرعية عليها، وقد كان واضحا في مواجهة السلطان الاموي خصوصا ما ادته الثورة الحسينية على هذا الصعيد، و هذا الدور مستمر الى ظهور الامام المهدي عج ليعيد للاسلام دوره المرتقب في اظهار العدل الالهي والقضاء على الظلم وتحقيق السلام التام على الارض الذي هو وعد الهي بنص قرآني لا شك فيه، وهو قوله تعالى في سورة النور الآية ٢٥ ( وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) اما على المستوى الوظيفي، فقد ادت الامامة الجزء الاهم منها وهو الحفاظ على الاسلام من التحريف والتشويه وتأويل القرآن الكريم باتجاهات باطلة بما قام به ائمة اهل البيت من وضع القواعد والمباني التي تحفظها اضافة الى تصديهم المباشر للاتجاهات العقائدية المنحرفة او الفقهية الخاطئة.
أيها الاخوة والاخوات، اننا نطرح هذا الرأي من باب القناعة الفكرية وهناك اتجاه آخر في هذه المسائل ولا نلزم احدا بما نذهب اليه وهو ما ينبغي ان يكون وهو حرية الرأي والرأي الآخر الذي يثري النقاش وان اسوأ ما ابتليت به المذاهب هو تكفير من يخالفها الرأي في بعض القضايا الفكرية او العقائدية ، لقد كانت الامامة كما اسلفت مشروعا الهياً للحفاظ على الاسلام مبادئ وقيم ولصناعة الانسان يعلو به في مراتب المعاني والاخلاق والقيم السامية التي استحق بها ان يكون خليفة الله في الأرض، ولطالما تعرضت هذه القيم لمحاولات التشويه والتغيير بقيم دنيوية مادية، لكن اخطرها ما حدث خلال القرن الماضي عبر الحضارة الغربية التي حذفت القيم المعنوية الالهية من قاموسها واستبدلتها بقيم مادية وعملت على نشرها على مستوى العالم، الامر الذي ينذر بأعظم الاخطار ولقد استطاعت مجتمعاتنا حتى اليوم من الحد من هذه الاخطار وشكلت القيم الاسلامية والدينية درعا قويا في الحد من هذا الوباء، ولكن هذه الحرب التي يستخدم فيها الغرب اقوى اسلحته الذكية الفتاكة ما يسمى بالحرب الناعمة من الدعاية والاعلان والمسلسلات والافلام والفيديوهات القصيرة، فلا بد من تطوير اساليب التوعية في المقابل للوقوف بوجه هذه الحرب القذرة والخطيرة خصوصا انه استطاع اختراق مجتمعاتنا بنخب تتبنى هذه الثقافة وتجهد للتأثير على اوسع الشرائح الاجتماعية في العالمين العربي والاسلامي وفي الطليعة لبنان الذي يستخدم كرأس حربة في عملية التغيير الثقافي هذه.
ولقد كانت المواجهة التي تبناها الغرب في مواجهة الإسلام ومشروعه الحضاري تسير جنبا الى جنب مع زرع الكيان الصهيوني في هذه المنطقة الى جانب اثارة الفتن الطائفية وبث المخاوف بين بعضها من بعض خصوصا بين مكونين كبيرين من مكوناتها اعني السنة والشيعة باستخدام ادوات طائفية ادت الى الشقاق والنزاع بينهما، رأينا بعض اثاره الضارة والخطيرة على بلادنا حفاظا على مصالح الغرب خصوصا في هذه المرحلة حيث عجزت الته العسكرية والاعلامية الضخمة من كسر شوكة المقاومة، فعملت على تشويه دورها الذي ادى دورا مهما في افشال خططه واعادة الاعتبار لثقافة المقاومة في الامة واستنهاضها من جديد. وهي اليوم تخوض في لبنان معركة التحدي الثالث بعد التحرير والردع في معركة كسر الحصار المفروض على شعبه وتحرير ثروته النفطية واستخراجها من البحر، وهي بذلك تستحق التقدير والاحترام فيما بعض المسؤولين اللبنانيين يؤدي دورا سلبيا على هذا الصعيد بدل ان يعمد الى استغلال هذه الورقة لمصلحة لبنان وشعبه.
ايها اللبنانيون ان المقاومة قلبت المعادلة في المنطقة وانتم ترون نتائج زيارة الرئيس الاميركي التي اظهرت كما في كل مرة فشل رهانات البعض على التهديدات التي يبني البعض اماله الخائبة عليها، وان المقاومة هي من القوة ما تستطيع ان تفرض شروطها على الطاولة، فليكن لهؤلاء شرف الوقوف الى صفها او على الاقل السكوت وألا تحملوا عار الهزيمة وليتعظ هؤلاء من تجربة العملاء الذين اعتقدوا ان هذا العدو قوة لن تُهزم.
ايها الاخوة، اعود الى الغدير لاقول ان الذين اسهموا ويسهمون اليوم في البحث عن دلالات حادثة الغدير فكرا وادبا نثرا او شعرا فإنما يقدمون خدمة ليس للاسلام فحسب وانما للإنسانية جمعاء ويعطون للإسلام الفهم الصحيح الذي صاغ حضارة انسانية عظيمة بما قدمه للإنسانية كلها من خدمة جُلى على كافة الاصعدة لذلك استحقوا اليوم ان يكرموا.
الشكر مرة جديدة لغديرية ٢٠٢٢ على هذا اللقاء واشكر حضوركم وانصاتكم، وكل عام وانتم بخير مع تقديمات فكرية وادبية جديدة تكشف المزيد من عطاءات الغدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفي الختام قدم الشيخ الخطيب والشيخ شقير دروع وشهادات تكريم لكل من السادة: الأستاذ الأديب جورج شكّور، الأستاذ الأديب سليمان كتّاني، والأستاذ الأديب ميشال كعدي، تلاه تكريم المشاركين في المسابقة ونشاطات المركز وأعماله البحثيّة.