عقدت جمعية “نحن” اليوم السبت حلقة نقاش حول القانون المقترح لتنظيم القطاع الحرفي في لبنان بعد شهر من إطلاق الجمعية حملة “حرفتنا هويتنا” بالتعاون مع نقابة الحرفيين الفنيين. الحملة التي تهدف إلى قوننة القطاع الحرفي وتنظيمه بهدف حمايته والاستثمار فيه في المستقبل. عُقد اللقاء بحضور ممثلة وزير العمل إيمان خزعل، ونقابيين وحرفيين ومهتمين في القطاع في فندق smallville.
ويأتي مشروع القانون في مرحلة دقيقة من عمر البلد حيث يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً، بما يشكل رافعة لقطاع يدر للاقتصاد الوطني ما قيمته 20 مليون دولار سنوياً، وذلك لم يتأثر حتى في ظل الأزمة الاقتصادية. وبالرغم من ذلك يعاني القطاع من عدة مشاكل تهدد وجوده، شكل عدم وجود قانون يحميه أولها.
في بداية اللقاء، شكر نقيب الحرفيين الفنيين في لبنان حسن وهبي جمعية “نحن” لجهودها المبذولة في إنجاز مشروع القانون الذي “لفّ على النواب كافة، وأبدى الجميع حماسة له”. لافتاً إلى جهود النقابة لإقرار القانون رسمياً، آملاً صدوره قريباً.
وعدد وهبي بإيجاز مشاكل القطاع ومنها: إغراق السوق بحرف مستوردة، وغياب الحماية الاجتماعية للحرفيين والعاملين في القطاع (من الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي…)، غياب أي خطط وتصور استراتيجي للقطاع رغم ما يمتلك من قدرات إنتاجية ضخمة، مشكلة تأمين المواد الخام وارتفاع أسعارها، وعدم توفر أسواق داخلية وخارجية لتصريف الإنتاج… لافتاً إلى أن القانون طرح كل هواجس الحرفيين. ودعا إلى “ضرورة منع أي منتجات حرفية تتعلق بالهوية الوطنية، وليس فقط رفع الضريبة الجمركية عليها”.
بدوره، أكد النائب فادي علامة سعيه لإنجاز القانون وصدوره بشكل رسمي في أقرب وقت، علماً أن القانون قدم إلى المجلس النيابي، ويدرس حالياً في اللجان. مشيراً إلى أن المخاطر البيئية والصحية القائمة جعلت الطلب على بعض المنتجات الحرفية متزايداً، داعياً في هذا الإطار إلى أهمية دعم المؤسسات الانتاجية الصغيرة والمتوسطة. وهذا من شأنه “توفير فرص عمل ودعم الايرادات وزيادة نسبة الصادرات وزيادة الدخل الفردي والناتج القومي والحفاظ على التراث الوطني”. لافتاً إلى أهمية أن “تقتصر مرجعية القطاع الحرفي على وزارة الصناعة، كمركز قرار، بما لا يشتت المهام ويضيعها بين الوزارات، ويسرع إصدار المراسيم التنفيذية”.
بعد ذلك، عرض القانون المقترح المحامي إيلي خطّار. مشيراً إلى تضافر جهود عديدة للتوصل لمقترح القانون الذي شمل أهل الاختصاص من حرفيين والقانونيين ومتجمع مدني. وقال إن “هذا القانون يسد فراغاً تشريعياً يتعلق بوضع الحرفي وضياع صفته”.
والحرفي كتعريف بحسب القانون المقترح “هو العامل في الصناعات الإبداعية، وكل شخص طبيعي أو معنوي يمارس بمفرده أو ضمن سلسلة انتاج تشكّل عملاً حرفياً متكاملاً، حرفة يدوية تقليدية مرتبطة بالتراث والارث الثقافي الوطني، أو حرفة حديثة مبتكرة تساهم في الاقتصاد الدائري”. وقال خطار إن “أهم ما بالتعريف اشتماله على مصطلح “سلسلة انتاج”، بما يحفظ حقوق كل المساهمين فيه. وبهذا التحديد يعاقب كل من ينتحل صفة حرفي”. مشيراً إلى أن القانون وسّع نطاق الحرفي وأخرجه من نطاق الفرد الطبيعي.
ولأن التعريف لوحده غير كاف ثمة معايير محددة لضبط العمل منها: ارتباط النشاط الحرفي بالإبداع وبالإرث المادي والاجتماعي والثقافي بمكان الانتاج سواء أكان ذلك في الريف أو في المدينة إن كان من خلال مهارات متوارثة على المستوى العائلي أو المناطقي. واعتماده بدرجة كبيرة على العمل اليدوي في معظم مراحل إنتاجه أكثر منه بالأدوات الصناعية الكبيرة أو المتوسطة.
وفي المقابل أشار خطار سريعاً إلى موجبات الحرفي وأبرزها الالتزام بالحفاظ على الحرفة، واحترام القانون وجودة الانتاج، وشهادة المنشأ للمنتج “صنع في لبنان”، كما الالتزام بفصل الصناعات الحرفية عن غيرها من الصناعات. أما فيما يتعلق ببنود الحماية، أشار إلى ضرورة منع استيراد المنتجات الحرفية ،كما أكد على ضرورة حصر مرجعية الحرفيين بوزارة الصناعة ومسك سجل الحرفيين. مضيفاً أن الوزارة “لا يمكن أن تقوم لوحدها بكل المهام فهناك مهام تتعلق بوزارة الشؤون الاجتماعية والسياحة والزراعة والاقتصاد والتجارة كما للبلديات دورها في هذا الإطار”. وليكون للقانون قوة تنفيذية، فقد شمل بند العقوبات بحيث أن أي مخالفة يجيلها وزير الصناعة إلى القضاء. وبهدف قيام حماية إضافية تخوفاً من قرارات استنسابية للوزير يمكن التقدم والطعن بها أمام مجلس شورى الدولة.
ومن جهته، أكد رئيس جمعية “نحن” محمد أيوب أن توفیر إطار قانوني لقطاع الحرف في لبنان يؤمن الحماية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحرفيين، بما يتماهى مع أهداف التنمية المستدامة 2030 باعتباره قطاعاً هاماً ومحفزاً للتنمية.
وخصوصاً أن “القطاع الحرفي مكوّن أساسي من مكونات الهوية اللبنانية وذلك لارتباطه بالتراث الثقافي غير المادي الذي ينتقل عبر التاريخ من جيل إلى جيل”. لافتاً “إلى بعض الحرف وعمرها آلاف السنين فقدت، واندثرت معها خبرات كانت تتوارث مع الأجيال”.
وأشار أيوب إلى أن فريق الحملة، الذي يتألف من جمعيات مدنية ونقابات وتعاونيات حرفية وحرفيين وحرفيات، قام بإعداد مشروع القانون، الذي يعرف الحرفة ويضع معايير لها ويضمن للعاملين في هذا القطاع الحماية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما ينقذ هذا القطاع الحيوي والعاملين فيه كونهم قوة اقتصادية مهدورة، رغم أن بإمكانها أن تساهم مساهمة فعالة في الدخل القومي.
ثم كانت كلمة للنائب هاغوب تيرزيان الذي قال إن إمضاءه على القانون المقترح “أضعه وساماً على صدري أنا الصناعي الخياط قبل كل شيء وقبل كوني نائب والمناضل من صغري لحماية المهنة”. يذكر أن النائب تيرزيان كان حرفياً تطريزياً ورث المهنة أباً عن جد ومن هنا حمل اسم العائلة تيرزيان المشتقة من مهنة التطريز.