شهد قصر بعبدا قبل ظهر اليوم بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نحيب ميقاتي، توقيع اتفاقية “افتتاح المكتب الإقليمي للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لمنطقة الشرق الأوسط في بيروت”. ووقع الاتفاقية وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب عن الجانب اللبناني، وعن المنظمة مديرها مندوب الأمين العام لتوقيع الاتفاقية السيد جوفروا مونبوتي GEOFFROI MONTPETIT، حيث شدد الرئيس عون على ان لبنان سيواصل عمله والدفع الثقافي من خلال اللغة الفرنسية وما تحمله من قيم وسيعمل على إشاعة هذه اللغة في المنطقة.
وحضر التوقيع كل من وزراء الثقافة: محمد وسام مرتضى، التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، الشباب والرياضة جورج كلاس، الوزيرالسابق سليم جريصاتي، مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير، الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية لدى المنظمة الدولية الفرنكوفونية البروفسور جرجورة حردان والمستشارون رفيق شلالا وأسامة خشاب ورلى نصار.
كما حضر عن المنظمة منسقة الاتصال المؤسسي السيدة FATOUMATA KIETA MATOKO، ونائبة مدير مكتب الوكالة الجامعية للفرنكوفونية للشرق الأوسط السيدة سينتيا رعد.
وقائع الحفل
في مستهل الاحتفال، تحدث البروفسور حردان عارضا لمختلف مراحل انشاء هذه الممثلية، فاشار الى ان الأمر لم يكن ممكنا الا بناء على اقتراح تقدم به رئيس الجمهورية، خلال قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية، التي انعقدت على مستوى رؤساء الدول والحكومات في يريفان، مشيرا الى أهمية هذا الحدث، من جهة لأنه يأتي كإعتراف من قبل المنظمة بالدور التاريخي الذي يلعبه لبنان في قلب المنظمة، إضافة الى انه اعتراف من قبل لبنان باللغة الفرنسية، كمكون أساسي من هويته الثقافية القائمة على التعددية واحترام الاختلافات.
وشكر البروفسور حردان الامينة العامة للمنظمة الفرانكوفونية السيدة لويز موشيكيوابو ، “وهي صديقة كبيرة للبنان”، على “إصرارها على ان يتم توقيع هذه الاتفاقية وذلك قبل انعقاد المؤتمر الوزاري للفرنكوفونية يوم الجمعة المقبل.”
من جهته، نقل المدير التنفيذي السيد مونبوتي الى الرئيس عون تحيات الامينة العامة للفرنكوفونية وشكرها له لالتزامه الشخصي في تحقيق هذه الاتفاقية وانشاء الممثلية في بيروت. وقال: “من الطبيعي ان نكون اليوم هنا، ونحن موجودون أصلا في لبنان، منذ سنوات عدة، بشكل او بآخر في خدمة كبريات الجامعات اللبنانية. واليوم، من خلال انشاء هذه الممثلية، سوف نوطد حضورنا اكثر ونجسده اكثر في خدمة لبنان، واللبنانيات واللبنانيين.”
واشار الى اننا نتوق الى افتتاح مقر هذه الممثلية، في بيروت وانطلاق العمل فيه. وقال: “ان لبنان شريك فاعل وتاريخي للفرنكوفونية، ونحن سنعمل على اطلاق دينامية متجددة للعمل مع لبنان في ميادين عدة، لا سيما مع الشبيبة وقد بدأنا بسلسلة برامج عمل مشتركة.”
وختم بالقول: “ان الفرنكوفونية هي منظمتكم، وهذا بحد ذاته تحدٍّ لنا جميعا كي نعمل معا وفق مبدأ التضامن الفرنكوفوني.”
رد الرئيس عون
ورد الرئيس عون بكلمة رحب فيها بالحضور، لا سيما بالمدير التنفيذي والوفد المرافق، طالبا نقل اطيب تحياته وامتنانه الى الامينة العامة للفرنكوفونية. كما شكر جميع الذين عملوا على تحقيق هذه الخطوة المتمثلة بإقامة ممثلية للفرنكوفونية في لبنان، وقال: “ان هذه الخطوة بالغة الاهمية للفرنكوفونية، وستتيح لنا متابعة التمسك بالثقافة واللغة الفرنسيتين وما تمثلهما، لا سيما وان اللبنانيين متمسكون منذ القدم بهما، وكنا من أوائل الذين تكلموا اللغة الفرنسية في الشرق الأوسط.”
أضاف: “اليوم نحن بأمس الحاجة الى ما تمثله اللغة الفرنسية من قيم. ولطالما اخترنا الفرنسية لغة كلاسيكية اعتنقتها المدارس اللبنانية. وبمثل هذه الممثلية، سنواصل عملنا ودفعنا الثقافي من خلال هذه اللغة، وسنعمل على إشاعتها في المنطقة.”
وختم بالقول: “اننا نهنىء انفسنا بتوقيع هذه الاتفاقية بين لبنان والمنظمة الفرنكوفونية” مكررا شكر لبنان لجميع الذين ساهموا في انجاز هذا الحدث.
تصريح حردان
وبعد حفل التوقيع، عقد البروفسور حردان والسيد مونبوتي مؤتمرا صحافيا مشتركا، استهله حردان بالكلمة التالية:
“اسمحوا لي، حضرة المدير العام التنفيذي ان اشكركم، واشكر من خلالكم حضرة الأمينة العامة، وجميع المديرين وفرق عمل المنظمة الدولية للفرنكوفونية الذين عملوا معنا من اجل وضع هذه الاتفاقية التي وقعناها للتو موضع التنفيذ.”
أضاف: “ان توقيع الاتفاقية الهادفة الى انشاء ممثلية للمنظمة الدولية للفرنكوفونية في بيروت، لتغطية منطقة الشرق الأوسط هي حدث كبير بالنسبة الى لبنان. وهو امر كان منتظرا منذ انعقاد القمة الفرنكوفونية في يريفان، على مستوى رؤساء الدول، في تشرين الأول من العام 2018. وللتذكير، فإنه لسنوات وحتى لبضعة اشهر قبل انعقاد القمة، كان من شبه المؤكد انه ستكون هناك ممثلية واحدة للعالم العربي على ان يكون مقرها في تونس. ولكن، وبمبادرة من فخامة رئيس الجمهورية، تقدّم لبنان باقتراح الى القمة، بالتشاور مع تونس وبقية الدول الأعضاء، لطلب انشاء ممثليتين: واحدة في تونس في العام 2020، وثانية في بيروت في العام 2021 وذلك لاسباب تعود في آن الى التخصصية والتكامل، وتم تبني الاقتراح اللبناني.”
وتابع: ” غداة القمة، تم افتتاح ورشة عمل، أدت اليوم الى توقيع الاتفاقية التي هي ثمرة مسيرة طويلة وصلت الى خواتيمها، وفق التوقيع الذي تم اعتماده من قبل القمة، وذلك على الرغم من الازمات المتتالية التي هزت بلدنا، وبفضل التزام المسؤولين عن هذا الملف لدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية وحماسهم، إضافة الى المشاركة الفاعلة للهيئات الإدارية اللبنانية المعنية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية إضافة الى رئاستي مجلس الوزراء والمجلس النيابي، ووزارة الخارجية والمغتربين، وسائر الوزارات الاخرى، بالتعاون مع بعثتنا لدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية. وبالطبع، فإن هذه الممثلية سيكون لها طابع وطني محلي يندرج ضمن اطار الحفاظ على استخدام اللغة الفرنسية والقيم التي تحملها وعلى الأخص: احترام حقوق الانسان، والديموقراطية والتنوع الثقافي. وسيكون لها بصورة مميزة، رسالة إقليمية تندرج ضمن اطار الحفاظ على اللغة الفرنسية وتوطيدها والعمل على تنميتها لا سيما لدى الدول التي تتجه اكثر فأكثر الى اللغة الفرنسية.”
وقال: “: صحيح ان الاتفاق المتعلق بمقر الممثلية عانى من مسار صعب . فلقد عدلنا عن فكرة إقامة المقر في المكان المقترح من قبل المديرية العامة لوزارة التربية الوطنية، وذلك لاسباب طارئة واولية. وعمد المسؤولون عن هذا الملف الى البحث طويلا عن مقر اخر، قبل ان يعمد مصرف لبنان الى ان يضع بتصرفهم مكانا رائعا جدا في شارع المصارف. ولقد تطلبت الإجراءات وقتا أطول من المتوقع، لكننا اليوم نعلن ان نص اتفاقية المقر أصبحت شبه نهائية، وسيتم التوقيع عليها في شهر كانون الثاني المقبل.”
وختم بالقول: “ان إقامة هذه الممثلية الإقليمية في بيروت ترتدي طابعا مزدوجا: تجديد اعتراف المنظمة الدولية للفرنكوفونية بالدور التاريخي المحوري الذي يلعبه لبنان على المستوى الفرنكوفوني الإقليمي والدولي من جهة، إضافة الى تجديد الاعتراف بلبنان لجهة مساهمة اللغة الفرنسية في بلورة هويته القائمة على التعددية واحترام الاختلافات.”
كلمة مونبوتي
ثم تحدث السيد مونبوتي الى الصحافيين، فقال: “كما تفضلتم وذكرتم، فإن المنظمة الدولية للفرنكوفونية وقعت للتو مع لبنان، برئاسة فخامة رئيس الجمهورية، اتفاقية لانشاء ممثلية دائمة لها في بيروت للشرق الأوسط. وهذا وعد تم تحقيقه، وقد التزم به رؤساء دول وحكومات المنظمة منذ العام 2018 في يريفان خلال القمة الفرنكوفونية. وها اننا اليوم نحقق هذا الوعد، وسأعود الى هنا من اجل افتتاح مقر هذه الممثلية. والمنظمة ستعمل على توحيد جهود كافة القوى الحية للفرنكوفونية، التي تعمل على الأرض، واذكر على سبيل المثال عمل الوكالة الجامعية للفرنكوفونية في لبنان، والتي تعمل بجهد مع كبريات الجامعات اللبنانية.”
أضاف: “لقد حددنا مختلف اطر العمل للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، في لبنان، حول اللغة الفرنسية، لجهة التعليم والتنشئة إضافة الى العمل على استقلالية النساء. وانطلاقا من حضور المنظمة في بيروت، فأنه من الأكيد اننا سنكون فاعلين اكثر، واكثر حضورا على الأرض لمصلحة اللبنانيات واللبنانيين. إن لبنان شريك طبيعي للمنظمة، ومن الطبيعي ان نكون هنا وان نفتتح ممثلية للمنظمة في بيروت. فمنذ العام 1973 ولبنان جزء من العائلة الفرنكوفونية، وقد استضفتم قمة للفرنكوفونية، ودورة للألعاب الفرنكوفونية، كما وأن كتّابكم وفنانيكم يشعون في مختلف القارات. ومن الطبيعي إذا ان نكون هنا في لبنان، وطن التلاقي، وان تفتح فيه المنظمة الدولية للفرنكوفونية ممثلية لها لمواصلة حوار الثقافات، هذا الحوار حول القيم المشتركة التي تجمعنا حول لغتنا، وهي قيم السلم والديموقراطية.”
وختم بالقول: “أتوجه بلفتة خاصة الى اللبنانيات واللبنانيين الذين يواجهون منذ عدة اشهر لا بل عدة سنوات، ازمة اقتصادية إضافة الى مأساة انفجارمرفأ بيروت، وأقول ان المنظمة الدولية للفرنكوفونية ساهمت في المساعدة وفي دعم اللبنانيات واللبنانيين. وهنا لا بد لي ان اشدد على أهمية دور التربية ونوعية تعليم اللغة الفرنسية في لبنان، ولا ننسى ان لدينا نحو مليوني ونصف محاور لبناني فرنكوفوني في لبنان، وهناك شبكة من المدارس والجامعات الفرنكوفونية، ومن واجبنا ان نكون اوفياء لهذا الموعد معكم، من اجل دعم الحكومة اللبنانية واللبنانيات واللبنانيين للتأكد من ان الفرنكوفونية تبقى ركيزة أساسية هنا، وسنعمل بقوة مع كافة القوى الحية في لبنان.”
وسئل: كان الرئيس الراحل شارل حلو، احد المؤسسين للحركة الفرنكوفونية، يقول “ان اللبنانيين يتألمون بالفرنسية”، فهل هذا الحدث اليوم يشكل علامة لنهوض لبنان والقول ان اللبنانيين باتوا يعودون الى الحياة وينهضون بالفرنسية؟
اجاب: “إن المنظمة الدولية للفرنكوفونية تعمل انطلاقا من قيمة التضامن التي تشكل أساسا للحركة الفرنكوفونية. وهي ناشطة في لبنان، دعما للبنانيات واللبنانيين، لا سيما أولئك الذين يعانون، وبصورة خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت. ونحن ندعم بشكل أساسي المنظمات غير الحكومية ونقدم عونا الى المتألمين والمصابين. وسنواصل هذا الامر. وان مبدأ التضامن هو كما قلت أساس المشروع الفرنكوفوني والفكرة الفرنكوفونية. واليوم وقد بتنا هنا، على الأرض، فإننا نأمل ان نفعل اكثر فأكثر ما يمكن ان يعنيه هذا التضامن الفرنكوفوني.”
وسئل عن البرامج المرتقبة لهذه الممثلية، فاجاب: ” لقد حددت الأطر الثلاثة للعمل، وهي تقوم على دعم: اللغة والثقافة، التربية والتنشئة، إضافة الى استقلالية المرأة. وعلى سبيل المثال، فإننا وبالتعاون مع زملائنا في الوكالة الجامعية الفرنكوفونية، ومبادرتنا لتنشئة الأساتذة على التعليم عن بعد، فاننا سنكثف جهودنا من اجل مرافقة وتدريب أساتذة اللغة الفرنسية هنا في لبنان، وهدفنا مضاعفة هذا العمل من اجل دعم قدراتهم التعليمية.”
وعما اذا كانت هناك من زيارة مرتقبة للامينة العامة للفرنكوفونية الى لبنان، أجاب: “ان الامينة العامة لا تنتظر الا المجيء الى هنا. وعندما يصبح المكتب فاعلا، ونأمل ان يصبح هكذا السنة المقبلة، فإن لدي الانطباع، من دون ان أعطي وعودا بإسمها، انها ستسرع لتكون هنا في افتتاح مقر الممثلية.”
اهداف انشاء الممثليات الفرنكوفونية
إشارة الى ان من اهداف انشاء الممثليات الفرنكوفونية العامة: المحافظة على اللغة الفرنسية وتوسيع استعمالها وتنميتها في اطار التعددية اللغوية، العمل على نشر القيم الإنسانية التي تحملها اللغة الفرنسية ومن بينها احترام حقوق الانسان والديموقراطية والتعددية الثقافية، ومتابعة النشاطات الفرنكوفونية في البلدان التي تغطيها. اما الأهداف الخاصة، فتتلخص بالعمل على اعداد استراتيجية فرنكوفونية خاصة بالشرق الأوسط تقوم على ترسيخ استعمال اللغة الفرنسية في البلدان التي تميزت بانتمائها الكلي او الجزئي الى الفرنكوفونية، ومنها لبنان، وانشاء مرصد لواقع اللغة الفرنسية في المنطقة ومتابعة تطورها.
كما ان لانشاء ممثلية بيروت بعدين: الأول إعادة اعتراف المنظمة الفرنكوفونية بلبنان قطبا هاما في مجموعة البلدان الناطقة كليا او جزئيا باللغة الفرنسية، اما الثاني، فيتلخص باستمرارية اعتبار لبنان للغة الفرنسية وما تحمله من قيم إنسانية ركيزة من ركائز هويته اللغوية والثقافية المبنية على الحوار والتلاقي الذي يسعى رئيس الجمهورية لتكريسه من خلال مشروع انشاء “اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار”.